صحيفة «الوسط»: نزاع «الحدود البحرية» يهيمن على تنظيم الأوضاع الداخلية

وسط تخوفات من تصاعد التوتر الأمني في العاصمة طرابلس وما يجاورها، وفيما تحاول أطراف داخلية خلق مسار سياسي موازٍ لخطة الأمم المتحدة استباقاً لخارطة طريق مرتقبة مبنية على مخرجات لجنة العشرين الاستشارية، تواجه ليبيا بسلطات منقسمة ضغطاً أوروبياً غير مسبوق في قضية ترسيم الحدود البحرية وصل صداه إلى بروكسل ونيويورك.
فبينما كان وزير الخارجية اليوناني جورج جيرابتريتيس يبحث في العاصمة طرابلس عن حل يرضي بلاده بشأن ترسيم المناطق البحرية مع ليبيا، بالإضافة إلى ملف الهجرة، تمسك كل طرف بما يعتبره موقفه السيادي؛ إذ تقدمت ليبيا بمذكرة شفوية أخرى إلى الأمم المتحدة، وهذه المرة تتضمن خريطة تحدد «الحدود الخارجية للجرف القاري في البحر الأبيض المتوسط»، وتمتد مطالباتها باتجاه جزيرة كريت.
مذكرة ليبية إلى الأمم المتحدة بشأن الحدود البحرية
ونُشرت المذكرة الليبية، المؤرخة في 27 مايو 2025، رسمياً من قِبل الأمم المتحدة في الأول من يوليو، وفي هذه الوثيقة تُعيد ليبيا التأكيد على أن مذكرة التفاهم لعام 2019 مع تركيا تُشكل «حلاً عادلاً تم التوصل إليه استناداً إلى القانون الدولي»، وتؤكد أن «لا اليونان ولا مصر لهما الحق في الحقوق السيادية في المناطق البحرية المحددة بين ليبيا وتركيا وفقاً للقانون الدولي»، لكن مصادر دبلوماسية يونانية ردت على المذكرة، وفق وسائل إعلام محلية، قائلة: إنها «لا تنتج أي آثار قانونية».
أضافت المصادر ذاتها أنه «سبق أن طرحت اليونان ومصر مثل هذه المواقف وعالجتها على نحو مناسب. فالقانون الدولي لا يُحدد بمذكرات شفهية أحادية الجانب أو بتطلعات أطراف ثالثة».
وتأكيداً على تمسك أثينا بالتنقيب عن النفط والغاز في منطقتي امتياز جنوب كريت، بعد أن أبدت شركة «شيفرون» الأميركية العملاقة اهتمامها بالمنطقة، وهو ما انتقدته حكومتا «الوحدة الوطنية الموقتة»، والمكلفة من قبل مجلس النواب، لأن الأمر يتعلق بـ«نطاق المناطق البحرية المتنازع عليها»، أجرى وزير البيئة والطاقة اليوناني ستافروس باباستافرو اتصالاً هاتفياً مع نائبة رئيس شركة «شيفرون» للاستكشاف العالمي ليز شوارتز، الثلاثاء، جددت «شيفرون» خلاله تأكيد اهتمامها باستكشاف الهيدروكربونات في المنطقة.
فشل زيارة وزير الخارجية اليوناني إلى طرابلس
وقد يفسر هذا الاتصال ما كشفته جريدة «كاثيميريني» اليونانية عن عدم تحقيق زيارة جورج جيرابتريتيس «تقدماً ملموساً بشأن ترسيم الحدود البحرية»، بعدما التقى رئيس الحكومة الموقتة عبدالحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، فيما زعم جيرابتريتيس أن اليونان «تمارس حقوقها السيادية فيما يتعلق بمناقصات التنقيب في منطقتين جنوب جزيرة كريت بموجب القانون الدولي دون اتخاذ أي إجراءات ضد أطراف ثالثة».
وأشار وزير خارجية اليونان إلى أن المسؤولين الليبيين لم يبدوا أي رد فعل إيجابي، لافتاً إلى أن ذلك «أمرٌ غير مُستغرب بالنظر إلى معارضة طرابلس الرسمية الأخيرة عبر اتصال شفهي من الأمم المتحدة، مُتبعةً بوضوح منطق المذكرات التركية الليبية»، بحسب وصفه.
وأصدرت حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي عدة بيانات منفصلة حول زيارة وزير خارجية اليونان، دون التطرق إلى ملف ترسيم الحدود.
وشهدت علاقات طرابلس وأثينا توتراً منذ التوقيع على مذكرة تفاهم العام 2019 مع تركيا، أبرز منافس إقليمي لليونان، لترسيم الحدود البحرية بين البلدين قرب الجزيرة اليونانية.
محادثات في قبرص بمشاركة تركيا واليونان
وفيما بدا تدويلاً لهذه القضية، زار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان نيويورك يومي الأربعاء والخميس لإجراء محادثات بشأن قبرص يستضيفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بحسب موقع «المونيتور». وسيحضر المحادثات نظيره اليوناني، بالإضافة إلى الرئيس القبرصي اليوناني نيكوس خريستودوليديس، وزعيم القبارصة الأتراك إرسين تتار، ووزير الخارجية البريطاني لشؤون أوروبا ستيفن دوتي، وفقاً للمصدر.
وأوضح المصدر أن المحادثات تهدف إلى «تحسين ثقافة التعاون بين الإدارتين القبرصيتين»، لكنها تأتي في ظل تصاعد التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط بسبب الاتفاق البحري التركي الليبي.
وفي يونيو الماضي، أعلن زعماء الاتحاد الأوروبي أن هذا الاتفاق غير قانوني، وذلك بعد جهود دبلوماسية متجددة من جانب اليونان وجمهورية قبرص لمنع التصديق عليه من مجلس النواب الليبي.
تيتيه تبدي التزامها بتطوير خريطة الطريق
على الصعيد الداخلي ومستجدات الأزمة الليبية، وفي وقت تنخرط الأمم المتحدة في دعم جهود التهدئة لمنع اندلاع أعمال عنف أخرى في المنطقة الغربية التي تعيش حالة من التوترات المكتومة بين حكومة الوحدة و«جهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة»، أبدت رئيسة بعثة الأمم المتحدة هانا تيتيه التزامها بتطوير خريطة طريق توافقية نحو إجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات.
وخلال الاستماع إلى آراء 15 من أعضاء «حراك المنطقة الغربية»، منهم عمداء بلديات عدة، حول عمل اللجنة الاستشارية، برفقة نائبتها للشؤون السياسية ستيفاني خوري، عبّر المشاركون عن «قلقهم من انتشار السلاح والتصعيد العسكري»، مشيرين إلى المخاطر التي تهدد حياة المدنيين في ظل رغبة المجتمع الأكيدة في تحقيق السلام.
كما أشار مشاركون إلى أن 143 مختاراً من 11 بلدية يريدون إيصال رسالة مفادها أن «الحرب يجب تجنبها، والحوار يجب أن يُعتمد كوسيلة لحل الخلافات بشكل سلمي». وتقاطعت آراء أكثر من عشرة آلاف ليبي شاركوا في استطلاع البعثة الإلكتروني حول مستقبل العملية السياسية، مع الدعوة إلى تشكيل حكومة انتقالية جديدة تُشرف على الانتخابات ضمن جدول زمني واضح وملزم.
– «كاثمريني»: وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يناقشون الأزمة في ليبيا
– المنفي يبحث مع وزير خارجية اليونان إعادة تنشيط اللجان الفنية والاقتصادية بين البلدين
– الدبيبة لوزير خارجية اليونان: يجب الحفاظ على الحوار المباشر وحسن الجوار
– تيتيه: البعثة استطلعت آراء 12500 ليبي حول العملية السياسية
– تيتيه تستمع لرؤية ممثلين عن المنطقة الغربية حول «خارطة طريق سياسية»
وفي الاتجاه ذاته، أكدت تيتيه، خلال لقاء عبر الإنترنت مع ناشطين ليبيين، أن تشكيل حكومة موحدة يعد خطوة حاسمة وشرطاً أساسياً لإجراء انتخابات نزيهة وشاملة في ليبيا، مشددة على أن «الانتخابات النزيهة لا يمكن إجراؤها في ظل وجود أجسام مختلفة وانقسام كبير».
وتسعى الأمم المتحدة لاستغلال نتائج الاستطلاع في رسم ملامح واضحة لما يتطلع إليه الليبيون، لكن القوى السياسية المهيمنة بسلطة الأمر الواقع لا تبدي تجاوباً مع هذه المطالب؛ بل تعمل على خلق مسارات موازية لتشكيل حكومة جديدة، وفق ما كررته البعثة الأممية في بيانات وتصريحات عديدة، ما يدفع إلى اعتقاد كثير من الليبيين بأن الوضع سيظل على ما هو عليه في ظل تمسك كل طرف من أطراف الأزمة بموقفه دون تنازل.
الدبيبة مع وزير الخارجية اليوناني جيورجوس جيرابيتريسيس، 15 يوليو 2025 (حكومة الوحدة الوطنية الموقتة) لقاء حفتر مع وزير الخارجية اليوناني والوفد المرافق له، 6 يوليو 2025. (القيادة العامة)