«بوليتيكو»: هل تستطيع إيطاليا واليونان تكوين جبهة أوروبية موحدة لمواجهة النفوذ الروسي والهجرة من ليبيا؟

أثارت التطورات الأخيرة داخل ليبيا قلقا متناميا لدى إيطاليا واليونان ودفعتهما لمطالبة الاتحاد الأوروبي بالتركيز على تهديدات، وصفتاها بـ«الخطيرة»، تواجه أمن أوروبا من ليبيا، وأعربتا عن قلق خاص بشأن النفوذ الروسي داخل البلاد وتدفقات الهجرة غير القانونية.
وتحدثت جريدة «بوليتيكو» الأميركية، في تقرير نشرته أمس الأحد، عن «رسالة وجهتها إيطاليا واليونان إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي، طالبتا فيها بعدم التركيز كليا على أوكرانيا لدرجة إغفال التهديدات الأمنية الخطيرة المنبثقة من ليبيا»، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن «تلك الرسالة لم تحظ بالاهتمام المرجو».
قفزة في تدفقات الهجرة
يأتي ذلك في الوقت الذي سجلت فيه السلطات الإيطالية واليونانية قفزة في أعداد المهاجرين الوافدين من ليبيا، في الوقت الذي تشعر فيه روما بقلق متنام إزاء النفوذ الروسي الآخذ في النمو داخل ليبيا، والذي برز في إمدادات الأسلحة واحتمالات إقامة قاعدة بحرية روسية في مدينة طبرق.
وقررت أثينا نشر ثلاث فرقاطات تابعة للقوات البحرية ردا على القفزة في تدفقات الهجرة غير القانونية، والمخاوف بشأن التعاون بين تركيا و«حكومة الوحدة الوطنية الموقتة» في طرابلس لتقسيم المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط بغرض استكشاف مصادر جديدة للطاقة.
– اليونان تعلق طلبات لجوء المهاجرين القادمين من شمال أفريقيا بعد طرد الوفد الأوروبي من بنغازي
– البحرية تنشر 3 فرقاطات.. الحكومة اليونانية تعيد النظر في خطتها لمواجهة المهاجرين عبر ليبيا
– اليونان: وصول 1400 مهاجر من ليبيا لجزيرة كريت خلال 3 أيام
كما أعلنت أيضا تدابير أكثر صرامة لمكافحة تدفقات الهجرة غير القانونية من ليبيا، التي سجلت مستوى قياسيا بوصول تسعة آلاف مهاجر إلى جزيرة كريت قادما من ليبيا منذ بداية العام، وهو مستوى ضعف الأعداد المسجلة خلال العام 2024.
«ليبيا حالة طارئة»
وفي إشارة إلى مدى أهمية الوضع داخل ليبيا بالنسبة إلى أوروبا، وصف وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، البلاد بأنها «حالة طارئة ينبغي على أوروبا التعامل معها بشكل مشترك»، غير أن المسعى الأوروبي المشترك لإحراز بعض التقدم الدبلوماسي تحول إلى ما وصفته «بوليتيكو» بـ«المهزلة»، في إشارة إلى طرد المفوض الأوروبي للهجرة والوفد المرافق له من مدينة بنغازي الأسبوع الماضي.
وقد أعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، الأسبوع الماضي، المفوض الأوروبي للهجرة، ماغنوس برونر، شخصا غير مرغوب فيه في بنغازي، موجهة اتهامات له بانتهاك الأعراف المحلية والدولية.
«روسيا تتحايل على العقوبات وتسخدم الهجرة كسلاح ضد أوروبا»
في سياق متصل، أكدت مصادر دبلوماسية أوروبية القلق المتنامي داخل بروكسل إزاء التوغل الروسي في ليبيا. وقال مصدر لـ«بوليتيكو»: «النفوذ الروسي آخذ في الاتساع داخل ليبيا، التي أصبحت محطة مركزية في استراتيجية الكرملين في أفريقيا».
وأضاف المصدر نفسه أن «شبكات التهريب المرتبطة سياسيا في ليبيا تدعم الجهود الاستراتيجية لروسيا، ما ساعد موسكو على التحايل على العقوبات واستخدام الهجرة كسلاح ضد أوروبا».
وذكر أيضا أن «الظهور الأخير للأسلحة الروسية خلال عرض عسكري في بنغازي يظهر مدى قرب الكرملين من قوات المشير خليفة حفتر. ترغب روسيا في موطئ قدم لها على البحر المتوسط، وليبيا هي البديل الأكثر ترجيحا للقواعد العسكرية في سورية».
وكانت تقارير إعلامية قد كشفت «رغبة موسكو في إنشاء نظام صواريخ داخل قاعدة عسكرية في مدينة سبها جنوب ليبيا»، ما يثير مخاوف من توجيه تلك الصواريخ صوب أوروبا.
ولا يستبعد محللون ودبلوماسيون وصول موسكو بالفعل إلى مرحلة توجيه الصواريخ نحو أوروبا من ليبيا. وقال الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أرتورو فارفيلي: «حتى بدون الصواريخ، تستطيع روسيا بالفعل استخدام عدد قليل من القواعد العسكرية في ليبيا للدعم اللوجستي، والتي قد تصل نظريا إلى أوروبا».
«إيطاليا واليونان بحاجة إلى دعم الحلفاء»
وإزاء تعقيدات الوضع داخل ليبيا، تقول «بوليتيكو» إن «إيطاليا واليونان تدركان جيدا أن التعامل مع أزمة معقدة مثل ليبيا يتطلب دعم الحلفاء الرئيسيين في أوروبا والولايات المتحدة.. لكن حتى الآن، كانت استجابة هؤلاء الحلفاء مخيبة للآمال».
ويعتبر دبلوماسيون أن «زيارة الوفد الأوروبي إلى ليبيا الأسبوع الماضي كانت مسعى لتحديد الحلول المشتركة الممكنة، حيث يمكن أن يلعب التمويل الأوروبي دورا حيويا في هذا الصدد».
وفي حين يشير مراقبون إلى الصفقة المثيرة للجدل التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع تونس بالعام 2023، يقدم بموجبها مبالغ مالية ضخمة إلى الحكومة التونسية لوقف تدفقات الهجرة غير القانونية، يستبعد آخرون إمكانية تكرار السيناريو نفسه مع ليبيا التي تعاني بالفعل من اضطرابات أمنية وسياسية مستمرة بسبب التشكيلات المسلحة المتنافسة.
وعلى الرغم من المخاطر الأمنية التي تمثلها ليبيا، تجد إيطاليا واليونان صعوبة في إقناع الحلفاء الأوروبيين بتعزيز الدعم، بحسب «بوليتيكو».
وأقر مسؤول بالحكومة الإيطالية «بوجود خلافات كبيرة بين مواقف إيطاليا وفرنسا بشأن الحلول السياسية الممكنة لأزمة الهجرة من ليبيا»، مشيرا إلى اجتماع انعقد يونيو الماضي جمع رئيسة الحكومة الإيطالية، جورجيا ميلوني، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، نافشا خلاله الوضع في ليبيا.
«بوليتيكو»: لا تقدم يذكر في الموقف الأوروبي
وتتصدر ليبيا على ما يبدو أجندة الأعمال الدبلوماسية الأوروبية، غير أن جريدة «بوليتيكو» قالت إنه «لا يتحقق تقدم يذكر من الناحية العملية. ففي حين تسعى إيطاليا جاهدة لكسب ود فرنسا، صاحبة الثقل العسكري، فإن هذه القضية ليست بالأهمية نفسها إلى باريس كما هو الحال بالنسبة إلى روما».
وقالت الأستاذة في جامعة لويس الإيطالية والخبيرة في الشؤون الليبية، فيرجيني كولومبييه: «بالنسبة لإيطاليا، فإن قضية ليبيا أكثر مركزية على المدى القصير مقارنة بفرنسا»، وأضافت: «الحكومة الفرنسية ليس لديها مصلحة سياسية في اتخاذ موقف ضد روسيا لأن ذلك يسلط الضوء على إخفاقاتها في مالي والنيجر»، مشيرة إلى أن فرنسا انسحبت تدريجيا من الدول الأفريقية في منطقة الساحل بينما عززت روسيا وجودها هناك.
وفي الوقت الذي تركز فيه الولايات المتحدة بشكل متزايد على الصين، فإن هناك «أمل ضئيل في أن تستثمر واشنطن جهدا سياسيا كبيرا لإرساء الاستقرار في ليبيا»، بحسب «بوليتيكو». والأكثر من ذلك، لم يأت إعلان حلف شمال الأطلسي «ناتو»، الموقّع في 25 يونيو الماضي، على ذكر أفريقيا.