إجهاض المستقبل

في الحروب، يكون أكثر الفئات الأعلى من حيث أعداد الضحايا الأطفال والنساء والمسنون والأفراد غير المقاتلين، لافتقارهم إلى سبل الدفاع عن أنفسهم وعوامل الحماية. أحيانا يكون ذلك بسبب ملابسات المعارك الدائرة بين فريقين متحاربين، كأن يقع حي أو تقع قرية في مسار تقاطع النيران، وأحيانا يكون ذلك ناتجا عن استهداف متعمد ممنهج.
في فيلم شاهدته منذ فترة وجيزة عنوانه «محاربو السهوب» بمنطقة آسيوية، في القرن الثامن عشر، تظهر لدى أحد الشعوب قوة محاربة يتميز مقاتلوها بالتوحش وعدم الرحمة، ويجتاحون المناطق المجاورة.
وفي مشهد من هذا الفيلم، تظهر قوة كبيرة من هؤلاء المحاربين المعتلين ظهور خيولهم، والمتدرعين بدروع الحرب، وثمة طفلان يرعيان قطيعا كبيرا من الغنم. ينفصل اثنان من المحاربين، ويتجهان نحو الغنم. أحد الطفلين يختبئ خلف صخرة، ويبقى الآخر ظاهرا. عندما وصل المحاربان حاول الطفل الظاهر الهروب، فرماه أحد المحاربين بسهم في ظهره، وأرداه قتيلا. لامه صاحبه على قتله طفلا، فقال له الآخر:
«اليوم طفل وغدا محارب»، ثم ساقا عددا معتبرا من الأغنام، وانصرفا لا يلويان على شيء.
وهذا يجعلنا على يقين من أنه من المؤكد أن عمليات الإبادة الجماعية التي يقترفها حاليا «جيش العدوان الصهيوني» (وليس جيش الدفاع مثلما يسمى رسميا)، بناء على أوامر القيادة السياسية، تنضوي ضمن هذا المبدأ، فاستهدافه الأطفال (الذين يعدون قوام المستقبل) والنساء (منتجات قوى المستقبل) يعني أنه يستهدف، عمليا وليس رمزيا، إجهاض وقتل المستقبل الفلسطيني. إنه يصوب نيرانه (ومرة أخرى: فعليا وليس رمزيا) على المستقبل الفلسطيني.
عشرات القتلى من الأطفال، وعشرات الآلاف منهم مصابون بإعاقات دائمة من أطراف مبتورة وافتقاد، كلي أو جزئي، لحاستي البصر والسمع، والاختلالات العقلية والعصبية والنفسية. كل هذه الحالات تصوب على المستقبل الفلسطيني، وكذلك هو الشأن في استهداف النساء بقتلهن أو إصابتهن بتعطل حيوي في وظائف الأعضاء لديهن.
هذه الجرائم البشعة التي يرتكبها العدو الصهيوني ضد الفلسطينيين غير مسبوقة، على الأقل بهذا الحجم، في تاريخ الإنسانية، ولا سيما أمام هذا «الصمت الرسمي» على صعيد العالم الذي يقف موقف المتفرج.