مبادرة دولية لدراسة دائرة النزاع بين الفصائل المسلحة في طرابلس

وثق تقرير تحليلي لمبادرة «بيانات مواقع وأحداث الصراعات المحلية» ما وصفته بـ«تحول جذري» في هيكلة التشكيلات المسلحة في العاصمة طرابلس، وتحدث عن بروز نظام مسلح أكثر تركيزا، شديد التنافس، ويعتمد على تحالفات متقلبة وتنافس بين النخب.
واعتبر تقرير المبادرة، المعنية بجمع وتحليل ورسم خرائط الأزمات المتعلقة بالصراعات المسلحة، أن الأحداث التي شهدتها طرابلس منتصف مايو الماضي، والتي أفضت إلى مقتل قائد ما كان يعرف بـ«جهاز دعم الاستقرار»، عبدالغني الككلي، وما تلاها من اشتباكات عنيفة، إشارة على «إعادة معايرة داخل النظام الأمني، حيث تمثل الاشتباكات المسلحة الكثيفة والقصيرة الأجل وسيلة تكتيكية لإعادة التفاوض على السلطة والنفوذ».
وقال أيضا إن الاشتباكات المسلحة العنيفة التي اشتعلت بالعاصمة منذ مايو الماضي، والتوترات الأمنية التي لا تزال قائمة إلى الآن، تكشفان محدودية أي مساعٍ للتحقيق مصالحات بين المجموعات المسلحة في مشهد أمني متصدع.
العنف المفتوح لا يخدم مصالح التشكيلات المسلحة
لكن التقرير رأى أن «العنف المفتوح لا يبدو أنه يخدم المصالح المشتركة للتشكيلات المسلحة الرئيسية في طرابلس ليس بسبب التنسيق الاستراتيجي، لكن بسبب الإقرار المتبادل بنقاط الضعف، ومخاطر عدم القدرة على الحكم، فضلا عن الضغوط الخارجية»، مشيرا إلى أن تلك الديناميكيات لا تؤثر على التغيير السياسي في طرابلس، وهو تغيير لا يتأثر بالاتفاقيات الرسمية بقدر ما يتأثر بالتحالفات والتنافسات بين الجهات المسلحة المندمجة في هياكل الدولة.
– جريدة «الوسط»: تزايد المخاوف من انهيار الوضع الأمني في العاصمة
– بعد تصريحات الدبيبة.. «هدنة طرابلس» أمام خيارين
– بيان أوروبي مشترك يدعو للتهدئة العاجلة في طرابلس
في هذا السياق، يؤكد التقرير أن قدرة حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة»، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، على فرض سيطرتها على المشهد الأمني بالعاصمة يعتمد على قدرتها على التعاطي مع شبكة متقلبة من التحالفات بين الجماعات المسلحة أكثر من اعتمادها على الإصلاح المؤسسي.
وقال: «حكومة الوحدة الوطنية حافظت حتى الآن على تماسك هذا النظام من خلال الترتيبات البينية والاستقطاب المالي، وليس إصلاح مؤسسي مستدام. جرى دمج التشكيلات المسلحة بشكل فعال في النظام الأمني من خلال تمويل حكومي وتقاسم السلطة، وهي استراتيجية أسهمت في تهدئة أي مواجهات مسلحة كبرى».
لكن التقرير رأى في الوقت نفسه أن تلك الترتيبات معيبة إلى حد كبير، موضحا: «الانخفاض الكبير في العائدات النفطية، خصوصا في ظل الأزمة المالية المتفاقمة التي تعانيها الحكومة الموقتة، يمكن أن يفكك تلك الترتيبات سريعا، ويضعف قدرة الحكومة على إدارة المنافسات».
تدخل قوات حفتر
في سياق متصل، تخوف التقرير من أن يؤدي الوضع الأمني الهش في طرابلس واحتمال تجدد الاشتباكات المسلحة إلى تدخل قوات «القيادة العامة» بقيادة المشير خليفة حفتر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق تشكيلات متحالفة معه في المنطقة الغربية.
وتوقع التقرير أن تلعب تركيا من جهتها دورا رئيسيا في أي محاولة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في المستقبل، سواء من خلال جهود الردع أو الوساطة أو الدعم الانتقائي. وتظل أنقرة راسخة بعمق في الهيكل الأمني بطرابلس، واستثمرت في الآونة الأخيرة لتعزيز علاقاتها مع المشير حفتر في الشرق.
وقال التقرير: «في الوقت الذي تعمل فيه حكومة طرابلس على إعادة معايرة النظام الأمني في أعقاب مقتل الككلي، فإن أسس هذا النظام تظل هشة وضعيفة أمام أي صدمات، وسيحمل انهياره تداعيات بعيدة المدى بالنسبة إلى توازن القوى في كامل أرجاء ليبيا».
حشد تشكيلات مسلحة من خارج طرابلس
في استعراضه للأحداث التي اشتعلت في طرابلس منتصف مايو الماضي، لاحظ التقرير سابقة وصفها بـ«الخطيرة»، حيث جرت الاستعانة بعدد من التشكيلات المسلحة من خارج العاصمة، شاركت في التحركات الأمنية داخلها، وهو ما تسبب في تأجيج النزاعات داخل العاصمة، واتساع نطاق التوترات إلى المدن المجاورة.
وقال إن تحرك التشكيلات المسلحة كان أكبر وأكثر حزما في أعقاب اشتباكات مايو، مشيرا إلى نجاح ما يعرف بـ«قوة الردع الخاصة» في استقطاب تحالف موسع من التشكيلات المسلحة من مدينة الزاوية وورشفانة، وأثبت انتشار هؤلاء في غرب طرابلس فعالية في فتح جبهة جديدة ضد جهاز الأمن العام.
ليست هذه المرة الأولى التي تلعب فيها التشكيلات المسلحة من خارج العاصمة دورا في الأحداث داخلها. ففي العام 2022، استعان فتحي باشاغا بتشكيلات مسلحة من الزنتان والزاوية وورشفانة في محاولته الإطاحة بحكومة عبدالحميد الدبيبة.
وتوقعت المبادرة الدولية اتساع نطاق هذا النمط خارج المنطقة الغربية، خصوصا إذا قرر المشير حفتر استغلال نقاط الضعف بين صفوف تحالف التشكيلات المسلحة الموالية لحكومة الدبيبة.
شبكة معقدة من المصالح المتداخلة
تحدث تقرير المبادرة الدولية أيضا عن شبكة معقدة من المصالح المتداخلة بين التشكيلات المسلحة في طرابلس، ونهج تكتيكي واسع النطاق يجمع الفصائل الرئيسية مدفوعا بنقص الولاء المؤسسي، والمصالح الموقتة، وتوازنات فاسدة للقوة وضغوط خارجية، ورأى أن تجاوز التفاهمات التكتيكية الموقتة بين التشكيلات المسلحة وحل النزاعات المتجذرة بينها مهمة تتسم بالصعوبة والتعقيد.
64 اشتباكا من مارس 2021 إلى 2025
رصد التقرير في الوقت نفسه ما عده «رغبة لدى التشكيلات المسلحة الرئيسية في تجنب اشتباكات مطولة أو عنف واسع النطاق، وهي رغبة مدفوعة بمخاوف ترتبط بحقيقة التسلح الكبير الذي تتمتع به التشكيلات المختلفة، وتأصلها في هياكل الدولة، وبالتالي يملك كل فصيل مصلحة في إظهار نفسه (كضامن للنظام وليس منافسا له). كما أن اندلاع صراع مفتوح سيفتح الباب أمام تدخل أطراف خارجية، لاستغلال الوضع».
ووثقت المبادرة اندلاع 64 اشتباكا خلال الفترة بين مارس العام 2021 حتى يونيو العام 2025، غالبيتها اشتباكات مسلحة في طرابلس امتدت مجتمعة على مدى 26 يوما، وغالبا ما كانت محلية وقصيرة الأمد وسهلة التهدئة.
وارتبطت تلك المعارك غالبا بمحاولات إظهار الهيمنة ضمن المساحة الضبابية بين سلطة الدولة الرسمية واستقلال التشكيلات المسلحة التي تعمل في ظلها هذه الجماعات، وفي بعض الأحيان بمحاولات إعادة التفاوض على النظام السياسي القائم في سياق التنافس المتزايد بين النخب، بحسب التقرير.