فنيون مصريون ي revitalizون مقتنيات توت عنخ آمون في المتحف المصري الكبير

في طفولته، كان مرمم الآثار المصري، عيد مرتاح، يقضي ساعات طويلة متأملًا كتب التاريخ، يتتبع الرموز الهيروغليفية، ويحلم بيومٍ تلامس فيه يداه القناع الذهبي للملك توت عنخ آمون. واليوم، تحقّق الحلم، إذ ينفض مرتاح الغبار عن مقصورة الملك المذهبة استعدادًا لعرضها في المتحف المصري الكبير.
يقول مرتاح: «مقتنيات توت عنخ آمون هي التي دفعتني لدراسة الآثار. العمل على تلك المجموعة كان حلم حياتي، وقد تحقق»، في حديث مع وكالة «فرانس برس».
مرتاح ليس وحيدًا في هذه الرحلة، بل يعمل إلى جانب أكثر من 150 مرممًا و100 عالم آثار منذ أكثر من عقد، لترميم آلاف القطع الأثرية التي سيضمها المتحف، المشروع الضخم الذي بدأ العمل عليه العام 2002، وبلغت تكلفته نحو مليار دولار.
عند افتتاحه، يطمح المتحف، الذي يقع عند سفح أهرامات الجيزة في مشهد بانورامي أخّاذ، إلى استقبال أكثر من خمسة ملايين زائر سنويًا.
مختبر ترميم.. خلف الزجاج
يضم المتحف المصري الكبير أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، وهو ما دفع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لوصفه بأنه «أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة في العالم».
من أبرز ما يقدّمه المتحف، إلى جانب القطع المعروضة، هو مختبر الترميم الحي، حيث سيتمكن الزوار من متابعة عمليات الترميم على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بدءًا من ترميم مركب الملك خوفو الشمسي، العائد لأكثر من 4500 عام.
إلا أن المجموعة الذهبية للملك توت عنخ آمون تبقى اللؤلؤة الأثمن في قلب المتحف، إذ تضم 5000 قطعة نُقلت من مقبرته وتُعرض لأول مرة مجتمعة في صالة واحدة. تشمل هذه المجموعة: تماثيل جنائزية، وتوابيت مذهبة، وتمائم، وقطع حلي، وقفازات من الكتان، وعربات احتفالية، وحتى جنينين محنّطين يُعتقد أنهما لابنتي الملك.
بعض هذه القطع لم يخضع لأي ترميم منذ اكتشاف المقبرة العام 1922 على يد البريطاني هاورد كارتر، وقد واجه المرممون تحديات نتيجة طرق الترميم القديمة التي أثرت سلبًا على سلامة الآثار.
تشرح مرممة الآثار هند بيومي (39 عامًا) كيف أن فريق كارتر استخدم طبقة شمعية لحماية القطع، إلا أن هذه الطبقة، بمرور الوقت، أخفَت التفاصيل الدقيقة، وحبست الأوساخ داخل القطع، وقللت من بريق الذهب.
استغرق الأمر شهورًا من العمل المضني لإزالة تلك الطبقة بدقة. وقد جرت عمليات الترميم في إطار تعاون مصري – ياباني، ساهمت خلاله اليابان بمبلغ 800 مليون دولار في شكل قروض ودعم فني.
يعمل المرممون المصريون داخل 19 مختبرًا متخصصًا، على قطع خشبية ومعدنية ونسيجية وبرديّة، باستخدام أدوات دقيقة وأساليب متطورة، مثل التوثيق الفوتوغرافي، والأشعة السينية، وتحليل المواد الكيميائية.
تقول المرممة فاطمة مجدي (34 عامًا)، التي تعمل على تابوت توت عنخ آمون الذهبي: «الأمر أشبه بالعمل على أحجية ضخمة من الذهب»، مضيفة: «شكل الكسر، وطبيعة النقوش، كلها تفاصيل تساعد في إتمام الصورة».
– القناع الذهبي لتوت عنخ آمون سيُنقل إلى المتحف المصري الكبير
– كنوز توت عنخ آمون تصل المتحف المصري الكبير استعدادًا للعرض «الكامل» للمرة الأولى
– القاهرة تستعد لافتتاح «أكبر متحف متخصص في حضارة واحدة»
وقبل مباشرة أعمال الترميم، جرى جمع القطع الأثرية من متاحف مختلفة، أبرزها المتحف المصري بالتحرير، ومتحف الأقصر، ومقبرة وادي الملوك.
يوضح مرمم الآثار محمد مصطفى أن فريق العمل يعتمد مبدأ الحد الأدنى من التدخل، ويقول: «الهدف هو الحفاظ على القطعة كما هي، مع احترام تاريخها. أي تدخل يجب أن يكون قابلاً للإزالة»، ويضيف أن استخدام مواد لاصقة مثل «بارالويد بي 72» و«كلوسيل ج» يسمح بالتعامل الآمن مع القطع دون الإضرار بها.
مع مرور السنوات، تحول العمل في الترميم إلى رحلة شخصية للكثير من المرممين. ويقول مرتاح: «كل قطعة ستذكرني بشيء… ساعات العمل الطويلة، النقاشات، الدورات التدريبية. كل قطعة لها قصتها».