حوار مع «الوسط»: المعز عبدالمتعال يروي معاناته وآلام السودان في «ساق بلا جسد»

حوار مع «الوسط»: المعز عبدالمتعال يروي معاناته وآلام السودان في «ساق بلا جسد»

في عالم تعصف به الرياح السياسية، وتتشابك فيه خيوط الإنسانية المهددة بالحرب، يظل الأدب نافذتنا الأعمق إلى الروح، في هذا الأفق الملبّد بذاكرة الوطن، يطل الروائي السوداني المعز عبدالمتعال سر الختم بقلمه فيحول الألم إلى سردٍ يضيء الزوايا المعتمة من التجربة الإنسانية.

من لغة الاقتصاد إلى نبض الرواية، ومن حسابات الأرقام إلى فضاءات الكلمة، بين وجع الاغتراب والحنين إلى الأرض.. من «جيسيكا» إلى «ساق بلا جسد»، ومن تفاصيل الحب إلى صرخات الحرب، نسج المعز عوالمه بلغةٍ تتنفس الصدق، وتنبض بالأسئلة الكبرى عن الوطن، والحب، ورغم المسافة الجغرافية بينه وبين السودان، فإن الكتابة ظلت جسراً يعبر عليه القلب إلى حيث الجذور.

في هذا الحوار، تقترب «الوسط» من تجربة كاتب لم يتوقف عن الحلم، ولم يتردد في مواجهة الوجع بالحرف. نفتح دفاتر الهجرة، والتكوين، والكتابة، ونستمع إلى صوت روائي يرى في «الحنين المؤرق إلحاحاً فكرياً يتمخض على هيئة كتابة».

● متى بدأت رحلتك مع عالم الأدب؟ وهل كنت تفكر في احتراف الكتابة؟
بدأت رحلتي مع الكتابة العام 2016 برواية «جيسيكا». وفكرة الكتابة كانت تراودني منذ زمن، وبدأت بقصص قصيرة. ويسرني أن كل رواياتي طُبعت في مصر، وكانت أولى زياراتي لمصر العام 2006.

● ما الذي دفعك للتفرغ للكتابة بعد دراستك الأكاديمية في مجال مختلف تماماً؟
دراستي كانت في الاقتصاد وإدارة الموارد البشرية، وهي بعيدة كل البعد عن الأدب. فقد تخرجت في كلية الاقتصاد بجامعة CCSU العام 2006 بدرجة البكالوريوس، ثم حصلت على درجة الماجستير في إدارة شؤون الموظفين من جامعة UNH العام 2009. كنت مرشحاً لدرجة الدكتوراه، لكنني أحسست أنها ستبعدني عن كتابة الرواية، ففضلت استكمال الخط الأدبي على الخط الأكاديمي. شعرت أن لديَّ «مارداً أدبياً» بداخلي يحتاج إلى أن يتحرر، وبدأت البحث عن شغفي منذ الطفولة في الرسم وكتابة الشعر، حتى وجدت ضالتي في الرواية. أؤمن أنه «كلما قرأت أكثر، كتبت أكثر»، وأن القراءة المتعمقة والمتنوعة هي التي تصقل الموهبة وتثري التجربة.

● كيف تختار عناوين رواياتك؟ وما هي دلالات هذه الاختيارات؟
في العناوين، أحرص على توفر دلالتين أساسيتين: الجاذبية والتشويق لجذب انتباه القارئ، والترابط القوي بين العنوان وعمق فكرة النص الروائي. يجب أن يكون العنوان جزءاً لا يتجزأ من العمل، ويعكس جوهره.

● ما هو أثر تجربة شعب السودان مع سنوات الاقتتال وتأثيراتها عليك؟ وهل أبعدتك عن الكتابة الرومانسية والعاطفية؟
لتجربة أهلي في السودان أكبر الأثر في تكويني الثقافي والمعرفي. أكثر الروايات تأثراً بأحداث وطني السودان هي روايتي «ساق بلا جسد» التي نوقشت أخيراً. كنت أكتب وكل يوم أتابع آخر الأخبار وأسمع عن حجم معاناة أهلي وشعبنا السوداني في ظل التفجيرات وعمليات القتل والاغتصاب والتشريد. لعل أشد أوجاعي كانت وفاة أمي بسبب هذه الحرب، فكانت كتاباتي «نزيفاً» أكثر منها كتابة. روايتي «ساق بلا جسد» من وحي العنوان يمكن تخيلها كساق بشرية بلا جسد، مما يثير تساؤلات حول مصير الجسد، وأعتبرها من أقوى رواياتي لأنها كُتبت بإحساس مختلف وألم مختلف، فهي من قلب المعاناة.

– للاطلاع على العدد «502» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

بالنسبة للكتابة الرومانسية والعاطفية، لا أرى أن آلام الاغتراب ومعاناة السودان أبعدتني عنها. الكتابة عندي متعددة الأهداف والأغراض. لقد كتبت روايات فيها نزعة عاطفية ورومانسية، فالحياة ليست سياسة ومشاكل فقط، بل لها أوجه متعددة وزوايا مختلفة في كل جانب منها جوانب حياتية متنوعة.

● متى وكيف تعرفت على ملتقى السرد؟ وما مدى أهمية هذه الملتقيات للكاتب؟
أعرف ملتقى السرد منذ سنوات طويلة وأتابع أنشطته عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذه المرة هي الأولى التي أحل فيها ضيفاً لمناقشة أحد أعمالي بدعوة كريمة من أصدقاء العالم الفذ الدكتور حسام عقل والروائية النشطة والمتميزة عزة عز الدين.

أنا متابع جيد لشخصية علمية وقامة عالية كالدكتور حسام، وكانت أغلى أحلامي أن أفوز بلقاء معه ويناقش أحد أعمالي. اليوم تحقق حلمي بهذه الأمسية النقاشية، ولعل ما يميزه أنه يجعل للعمل روحاً جديدة من خلال تناوله النقدي. لا يسعني إلا أن أقول بصدق: هنيئاً لمصر وجود ابن من أبنائها بقامة الدكتور حسام عقل.

● ما هو طموحك ككاتب، وهل حققت منه شيئًا في أعمالك السبع الماضية؟ وكيف ترى الجوائز الأدبية التي انتشرت في العقدين الفائتين؟
أنا فخور جداً بإصدار سبع روايات حتى الآن، وأعتبر أنني حققت جزءاً كبيراً من حلمي. لديَّ حلم متوهج لمواصلة الكتابة، وأشعر أنني اخترت مجالًا قريباً من قلبي وقريباً من وجدان الشعب العربي. الشعب العربي بطبعه شعب حكاء ويحب السرد. على الرغم من أن فن الرواية حديث نسبياً في العالم العربي مقارنة بالغرب، إلا أن العرب حققوا إنجازات عظيمة فيه، ولعل حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل خير دليل على ذلك.

أما عن الجوائز، فأنا أرى أن الجائزة الأساسية والأولى هي محبة الناس. الطيب صالح لم يفز بجائزة نوبل، لكنه تربع على عرش الأدب العربي، وهذه هي الجائزة الحقيقية. ما زال لديَّ الكثير لأقوله وأتمنى أن أعبر عنه. الكتابة مؤرقة، هي شيء يلح عليك فكرياً ثم يخرج على هيئة رواية.

● نلاحظ أن الشأن السياسي يشغل حيزاً كبيراً من كتاباتك؛ هل هذا صحيح؟ وما هو رأيك في الأدب السياسي؟
صحيح، من بين رواياتي السبع، كتبت روايتين سياسيتين. أنا مهموم جداً بعلم الاجتماع والقضايا الاجتماعية اليومية مثل الطلاق، والزواج، مشاكل التعليم والعلاج، وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية للمواطن. لكن بالمقابل، هناك تأثيرات كبيرة إذا كنت تعيش في بلد مثل السودان، حيث الصراع ملتهب لا يهدأ، وهناك نظام مخيف ولدت عنه مشاكل اجتماعية كبيرة جدا انتهت بالحرب.

الرواية السياسية الأولى التي كتبتها كانت بعنوان «أحلام على وسادة الوطن»، يمكن تخيل العنوان: على أي وسادة حلم تضع رأسك حين تنام؟ هذا كان المدخل لأي شخص في بلد مثل السودان يعاني من ويلات الحروب والمشاكل. السؤال المفتاح هو: «على أي وسادة حلم تضع رأسك حين تنام؟» هل تحلم بالحقوق الطبيعية أم بما تستحق؟ كانت الرواية تحكي عن فترة نظام الكيزان حتى العام 2018.

– للاطلاع على العدد «502» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

في الرواية الأخيرة، «ساق بلا جسد»، تركت النهايات مفتوحة، كما وصفها الدكتور حسام عقل بأنها ««نهايات عالقة»، لأننا لا نعرف ما سيأتي. في هذه الرواية، تخلصت من كل أبطال الرواية وتركت البطلة الأخيرة وحدها في مواجهة حلمها المتقد، إما أن تستعيد الوطن أو يضحي من أجله فارس، وهو اسم يحمل دلالتين مزدوجتين.

● «الأنظمة تزول ويبقى الإنسان شاهدًا»
أعتقد أن الأدب السياسي الذي يتحدث عن تجربة معاصرة لا يعيش طويلًا، لأن ما يحدث سينتهي ويتغير. لكن الإنسان والحياة الإنسانية لا تتغير منذ آدم وحتى يوم القيامة. شكسبير نجح لأنه تحدث عن الدوافع والغرائز الإنسانية من الخوف والحب. نجيب محفوظ أيضاً، رواياته الإنسانية عاشت أكثر من تلك التي تحدثت فيها عن السياسة، لأنه سلط الضوء على الإنسان. الحرافيش، على سبيل المثال، تعتبر رواية اجتماعية سياسية، ولكن الأهم هو التركيز على الإنسان. السياسة هي الخلفية. وهذا أعتقد أنه محور نجاح أي عمل إبداعي عموماً، ليس فقط الكتابة الأدبية، بل الموسيقى والرسم أيضاً.

رواية «الساق بلا جسد» ركزت على ضحايا الحرب من النواحي الإنسانية، لأن الأنظمة تزول، ويبقى الإنسان شاهداً على هذا الزوال، وشاهداً على وجوده. الأدب كفعل، الرواية كفعل، هي فعل إنساني محض. أنا أكتب عن الإنسان، وليس عن حدث معين.

● أي عمل روائي شعرت أنه أقرب إليك؟
رواية «متاهة الأفعى» هي الأقرب إلى قلبي. قرأتها الشاعرة الدكتورة زينب أبوسنة صاحبة دار «آفاتار» للنشر. بعدها اتصلت عليَّ قائلة: «أبهرتني جداً، ولديَّ مفاجأتان لك: الأولى أنني سأطبع الرواية بلا مقابل مادي، والثانية سأقوم برسم لوحة الغلاف بنفسي» مضيفة «لأنني أريد أن أضع بصمتي فتتذكرني بها مدى الحياة»، هذا شجعني جداً.
أيضًا، الدكتور حسام مغازي قام بدراسة نقدية للرواية، وهي دراسة عظيمة.

نبذة عن الكاتب
الروائي المعز عبدالمتعال سر الختم، ولد في 17 أبريل 1975، وهاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية العام 2000.
يقيم حالياً بالولايات المتحدة، ويعمل محللاً مالياً منذ العام 2006 كاتب قصصي وروائي، صدرت روايته الأولى (جيسيكا) عن دار أوراق في القاهرة 2016، ورواية بئر الدهشة عن دار روافد العام 2017، ورواية متاهة الأفعى عن دار آفاتار بالقاهرة، ورواية نهر وثلاث ضفاف العام 2019، عن دار آفاتار، لديه رواية تحت النشر، ومجموعة من القصص القصيرة والمقالات.

غلاف رواية ساق بلا جسد. (أرشيفية: الإنترنت) غلاف رواية ساق بلا جسد. (أرشيفية: الإنترنت) غلاف رواية ساق بلا جسد. (أرشيفية: الإنترنت)