ليبيا تواجه أزمة الإدمان بهدوء.. صراع بين المعاناة والتفاؤل

حذر خبراء في الصحة النفسية من انتشار ظاهرة إدمان المخدرات في ليبيا بشكل مثير للقلق، مرجعين تفاقم الظاهرة إلى الهشاشة الأمنية والانقسام السياسي، كما حذروا من أن الوصم المجتمعي يقف حجر عثرة أمام علاج المدمنين وإعادة تأهيلهم ودمجهم لاحقا.
جاء ذلك خلال ندوة أمس الأربعاء استضافها فندق «كورنثيا» وسط العاصمة طرابلس، وجمعت مسؤولين حكوميين وخبراء في الصحة النفسية وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، لإحياء اليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها.
وقال مستشار الصحة النفسية الدكتور رجب أبوجناح إن ليبيا التي طالما عُرفت «كبلد عبور» في خارطة تجارة المخدرات، بدأت تتحوّل تدريجيًا إلى نقطة إنتاج وتوزيع، واصفا الوضع بـ«المقلق»، وأوضح أن السنوات الأخيرة شهدت «انتشار مزارع القنب وظهور مصانع لإنتاج الترامادول بل وحتى دخول الكوكايين إلى السوق المحلية».
وأضاف أبوجناح: «الوضع تطوّر بشكل خطير في ظل هشاشة الرقابة الأمنية والانقسام السياسي، ما جعل ليبيا بيئة خصبة لشبكات التهريب والإنتاج».
دور مركز علاج المدمنين
وفي مواجهة هذا المد الخطير، يواصل المركز الوطني لعلاج وتأهيل المدمنين جهوده على الرغم من محدودية الموارد وصعوبة التحديات.
وأكد رئيس قسم الشؤون الطبية بالمركز الدكتور أنور يون أن المركز بدأ بشكل متواضع في مصراتة، لكنه اليوم «يعمل كمؤسسة وطنية تستقبل المرضى من مختلف المدن، وتوفر 120 سريرًا للرعاية والعلاج».
ولفت يونس إلى أن المركز يعتمد آلية مرنة، تتيح استقبال الحالات سواء بطلب من المريض نفسه أو عبر إدخال قانوني من قبل ذويه، مشددًا على أن «الجانب الإنساني لا ينفصل عن الطبي في عملية العلاج».
وصمة المجتمع.. الحاجز الأكبر
لكن المعركة الأهم تجري خارج جدران المركز، هذا ما أوضحته رئيسة قسم الطب النفسي بمستشفى شارع الزاوية الدكتورة نسرين أبوسريويل، قائلة: «التحدي الأكبر هو رفض المجتمع الاعتراف بوجود مشكلة الإدمان، خوفًا من الوصمة أو الجهل بطبيعة المرض».
وأضافت: «الكثير من العائلات تُفضّل التستر على المشكلة بدل مواجهتها، ما يؤدي إلى تفاقم الحالة وتأخر العلاج».
عائلات في دائرة الصمت
بدوره، كشف أخصائي تعديل السلوك الدكتور ساسي خليفة موسى أن نحو «90% من الحالات التي تصل إلى المركز تخفي حقيقة التعاطي داخل الأسرة، إما خوفًا من العقاب الأبوي أو خجلًا من نظرة المجتمع».
– في حوار مع «الوسط».. د. أنور يونس يتحدث عن أبرز تحديات علاج الإدمان في ليبيا
وقال موسى: «نحتاج إلى شجاعة الاعتراف قبل أي شيء. فالمواجهة المباشرة هي بداية طريق العلاج». وأكد أن عديد المرضى يصلون بعد سنوات طويلة من التعاطي، ما يزيد من صعوبة التأهيل والشفاء.
صرح وطني ورسالة إنسانية
ووصف مساعد مدير المركز، الدكتور محمد أبوفناس المؤسسة بأنها «صرح وطني بامتياز»، وُلد من رحم الحاجة الملحة لمعالجة الإدمان في ليبيا، وتطوّر بدعم من حكومة الوحدة الوطنية، ليقدم برامج علاج وتأهيل ووقاية.
ودعا أبوفناس إلى «دعم وطني شامل لتوسيع خدمات المركز»، معلنًا عن خطة لافتتاح فروع جديدة في الشرق والجنوب، ومدينتي «جنزور» و«تاجوراء»، لتخفيف الضغط عن المقر الرئيسي وتسهيل وصول المواطنين إلى الرعاية.
الإدمان.. قضية مجتمع لا مريض
رسائل المتحدثين خلال الفعالية لم تكن تقليدية، بل جاءت واضحة وحاسمة: «الإدمان ليس مجرد حالة فردية، بل قضية تمس كل بيت، وتهدد أمن المجتمع وتماسك الأسرة».
وأكد الحاضرون أن المواجهة تتطلب «إرادة جماعية»، تبدأ من البيت، مرورًا بالمدرسة، وانتهاء بدور الدولة، التي عليها مسؤولية مضاعفة في توفير مراكز تأهيل، وحملات توعية، وتشريعات حامية.
ندوة في فندق «كورنثيا» بطرابلس لإحياء اليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات، 2 يوليو 2025. (الإنترنت) ندوة في فندق «كورنثيا» بطرابلس لإحياء اليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات، 2 يوليو 2025. (الإنترنت)
ندوة في فندق «كورنثيا» بطرابلس لإحياء اليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات، 2 يوليو 2025. (الإنترنت)
ندوة في فندق «كورنثيا» بطرابلس لإحياء اليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات، 2 يوليو 2025. (الإنترنت)