احذروا الحماقات والتهافت بلا سبب

أجدُنِي في أحيان كثيرة شديد القلق من مجانية التخطئة التي يلقيها بعض المشاركين في الحوارات المتلفزة عندما تحرص على بثها الفضائيات المصطفة بما أثبتت المداومة بها ما لدى المشاركين فيها من المهارة في تحقيق المطلوب لمجرد دعوتهم، واختيار أماكن ظهورهم للإسهام في ما اصطُلِحَ على تسميته «الحواريات»، أو غيرها من العناوين التي تُبَث عادة عقب نشرات الأخبار أو مستجدات الأحداث، فأجِدُ الكثير منهم يلقي باللائمة على الأحزاب الناشئة باعتبارها شريكة في التقصير المتعلق بهذه الظاهرة أو تلك، ومسؤولة كذلك عن الفشل في إزاحة هذا الجسم أو ذاك.
ومع أن الأجدى لإثراء الحوار هو أن يتم التواصل مع هؤلاء المتحاورين وهم يتحدثون عبر الشاشة، لتزكية الرأي الذي يلوح منه الصواب، ودحض الآخر الذي يبدو عليه الخطأ، فلا أملك في أحيان كثيرة سوى أن أصمت، وأتخذ من بعض ما شاهدت دافعا لإملاء بعض هذه التدوينات التي أسجلها على صفحتي بمنصات التواصل، أو التزامي هذا الذي أشارك فيه عددا من الرفاق المُتخندقين بمنصتهم محاولين نشر ما يُكوِّن العمل الجمعي، لعله أجدى لتحقيق الضروري من التآزر الجماهيري انطلاقا من المثل القائل «يد واحدة ماتصفقش»، هذا إذا كان المطلوب هو التصفيق، فما بالك والمطلوب يفوق التصفيق لإلقاء الحجارة، وربما أصابع النصر، إن لم يكن بالمشاركة الشخصية فبإعلان التأييد مثنى وثلاث ورباع.
ودونما مضي في الاستطراد أقول إن ما استوقفني – كما أسلفت – هو مجانية اللوم على الأحزاب، وتحميلها فشلا ربما لم تكن مسؤولة عنه أو سببا في وجوده، فمع أن الكثير من هذه الأحزاب قد تأسس على هدي من فكرة الجمعيات التي نشطت في السنوات التي سبقت السابع عشر من فبراير 2011، عندما لاح أن المقصود هو الوصول إلى تجمع شعبي قد لا يُطلق عليه اسم الحزب، وإنما يحقق البديل، ومع أن الجمعيات المشار إليها لا تُعْلَن إلا وهي مكتملة التشكيل في المهام والمسؤوليات واللوائح، فرأينا المنهج نفسه يُطبَّق في إعلان الكثير من هذه الأحزاب مما استحال معه التماس العذر بتثبيت فكرة الاحتكار، إلا أن المضي في شيطنة الحزبية يبدو بكل الصدق خارج منطق العصر، ليس لأن الحزبية قد صارت الخيار الأمثل منذ مستجدات تسعينيات القرن الماضي، وما حملته من انفراط منظومة السلطات الشمولية، ولو من خلال الشكل ليس غير، وما ذلك، بل لأن العالم، ومنذ آماد بعيدة، قد أعطى احترام الشكل أول شروط للتخاصم، بل لقد اعتُبِرَ الإخلال بالشكل أول مؤثر في صحة الحكم.
ومن ثم فليس أمام الذين لا يسأمون التشكيك في جدوى الأحزاب في بلادنا إلا أن يسهموا في تفعيلها وتصحيح مسارها، أو تأسيس بدائل لها من هذا الكم الهائل من الباقين خارجها بدل التطوع بالطعن في جدواها، فليس هناك أسوأ من لا يعمل ولا يترك الغير يعمل، لأن حضوره أو عدمه هُراء، وما يقوله محض قفزٍ في الهواء.