صحيفة «الوسط»: عاصفة جديدة من الانتقادات تهدد مهمة تيتيه

لم يغير خطاب المبعوثة الأممية هانا تيتيه وأسلوبها في إدارة الأزمة الليبية تعنت أطراف الأزمة، وعرقلتهم لأي خارطة طريق لكسر الجمود السياسي من المنتظر طرحها خلال أغسطس المقبل أمام مجلس الأمن الدولي، في وقت لا تزال الهدنة في العاصمة طرابلس هشة، ومن جانب آخر لم تتجاوز الاجتماعات واللقاءات الدولية والأوروبية حالة الشعور بالقلق من قوافل المهاجرين وما يوصف بـ«الخطر الروسي».
وفتحت إحاطة تيتيه الأخيرة عبر الـ«فيديو» أمام مجلس الأمن باب المواجهة المباشرة مع أطراف ليبية قد تزيد من تعقيد مهمة البعثة كوسيط محايد، في وضع لا يختلف عن تجارب المبعوثين السابقين الذين كثيراً ما اتهموا بتعمد تدوير ملف الأزمة وليس حلها.
خيارات «الاستشارية» أصبحت تبدو ملزمة
وفي اتجاه مغاير لإعلانها سابقاً بأن نتائج اللجنة الاستشارية التي شكلتها البعثة من 20 شخصية غير ملزمة، أصبحت الخيارات الأربعة التي حصرت فيها مسار العملية السياسية تبدو ملزمة؛ إذ من المرتقب أن تتضمن خارطة الطريق الجديدة، المقرر إعلانها في أغسطس، اعتماد هيئة تأسيسية جديدة تتكون من 60 عضواً، وتتولى تشكيل حكومة موحدة، والإشراف على تنـظيم استفتاء شعبي على دستور البلاد، والانطلاق نحو تنظيم الانتخابات.
ووسط توجس واضح أرجأت المبعوثة تقديم خارطة طريق زمنية للمرحلة المقبلة، بدعوى الحاجة إلى مشاورات أوسع على حد وصفها، تحسباً لمخاوف الرفض المتزايد لنهجها في إدارة العملية السياسية، وهو ما عكسته دعوات التظاهر احتجاجاً على أداء البعثة، والتشكيك في دورها، لتذهب بعض الأصوات إلى المطالبة بإنهاء مهمتها في ليبيا، وهو ما جاء على لسان رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، الذي اعتبر البعثة طرفاً في الأزمة بسبب محاولاتها شرعنة واقع مفروض بالقوة، وتحميلها مسؤولية تدهور الأوضاع السياسية، وفق بيان له دعا فيه إلى «طرد البعثة الأممية من ليبيا فوراً»، بعد أن عبر عن رفضه الصريح لإحاطة المبعوثة الأممية، واصفاً إياها بأنها «مليئة بالتجاوزات والمواقف المنحازة».
دومة وبن شرادة ينتقدان إحاطة تيتيه
وليس بعيداً عن ذلك انتقد النائب الثاني لرئيس مجلس النواب مصباح دومة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، مستغرباً عدم تركيزها على «الاتفاق السياسي» بعيداً عن «آراء اللجنة الاستشارية التي لم نعلم معايير اختيارها وكأنها مجموعة من موظفي البعثة ينفذون ما تراه تيتيه»، حسب تصريح له.
وفي السياق اتهم عضو المجلس الأعلى للدولة سعد بن شرادة البعثة الأممية، عقب إحاطة تيتيه، بأنها لاتريد المضي في المسار الانتخابي والدستوري، وكتب في منشور عبر صفحته الشخصية على موقع «فيسبوك»: «إن قانون الانتخاب والدستور جاهزان، لكن البعثة الأممية لا تريد المضي في هذا المسار».
لجنة أممية لتقييم أداء البعثة في ليبيا
وتزامن هذا التصعيد مع وجود لجنة خاصة أرسلتها الأمم المتحدة لتقييم أداء البعثة في ليبيا عبر جولة استماع نادرة لمختلف الأطراف؛ حيث زارت طرابلس وبنغازي على مدى ثلاثة أيام، والتقت خلالها كبار المسؤولين الليبيين، على رأسهم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عبدالحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورؤساء أحزاب، وناشطين سياسيين.
– أبرز ما جاء في إحاطة تيتيه إلى مجلس الأمن الدولي حول التطورات في ليبيا
– دومة عن إحاطة تيتيه: تريد إيقاف قطار التنمية
– المنفي والدبيبة يتابعان «الترتيبات الأمنية ومفوضية الاستفتاء وضبط الإنفاق»
– البعثة الأممية تستقبل وفدا عن المتظاهرين أمام مقرها في طرابلس
– وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره اليوناني ضرورة احترام وحدة أراضي ليبيا وصون مقدراتها
– المنفي والدبيبة يتابعان «الترتيبات الأمنية ومفوضية الاستفتاء وضبط الإنفاق»
وضمن تفرعات الحالة القائمة في البلاد ناقش المنفي والدبيبة، في اجتماع موسع، عدداً من الملفات السياسية والأمنية والمالية ذات الأولوية الوطنية، منها تفعيل «المفوضية العليا للاستفتاء والاستعلام الوطني» التي أقرها المجلس الرئاسي في وقت سابق، والتأكيد على إجراء استطلاع شعبي «محايد وشفاف» في أقرب وقت ممكن كقاعدة لأي مسار دستوري يعكس إرادة الشعب، وفق مصادر المجلس والحكومة.
تيتيه تحذر من «هشاشة الهدنة» في طرابلس
أمنياً، وفيما حذرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة من هشاشة الهدنة، نبهت أيضاً إلى قلق متزايد من أن يؤدي المزيد من عدم الاستقرار إلى تقويض اتفاق وقف إطلاق النار للعام 2020، الذي أعقب ما عرف بحرب العاصمة العام 2019. كما أعربت عن قلقها بشكل خاص إزاء ما تردد عن اكتشاف مقابر قتل جماعية في أبوسليم يُزعم أن جهات أمنية تابعة للدولة ارتكبتها، في إشارة ضمنية إلى «جهاز دعم الاستقرار» الذي كان يرأسه عبدالغني الككلي، المعروف بـ«غنيوة»، والذي قتل يوم 12 مايو الماضي، في واقعة لا تزال غامضة على أيدي قوات تابعة لحكومة «الوحدة الموقتة».
ومع انطلاق خطة أمنية مشتركة في طرابلس قررها رئيس المجلس الرئاسي تبدأ بتشكيل لجنة مشتركة للترتيبات الأمنية والعسكرية، أثار قرار آخر صادر عن المنفي بتعيين رئيس جديد لجهاز الدعم والاستقرار كثيراً من التساؤلات حول حقيقة حل أو تفكيك هذا الجهاز، ومصير التحقيقات بشأن الجرائم المنسوبة إليه، ومستقبل الميليشيات عموماً؛ حيث جرى تكليف حسن أبوزريبة بمهام رئيس الجهاز، ولم يتمكن المكلف الجديد من تسلم مقر الجهاز في جنزور بسهولة، بعدما أقدمت مجموعات مسلحة على إغلاق الطريق الساحلي، رفضاً لقرار إعادة تنظيم الجهاز.
وينحدر أبوزريبة من مدينة الزاوية، وهو شقيق كل من وزير الداخلية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب عصام بوزريبة، وعضو مجلس النواب علي أبوزريبة.
الملف الليبي حاضر في المحادثات الدولية
يأتي ذلك في وقت أكد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي خلال اتصالين منفصلين مع نظيره اليوناني جورجيوس جيرابيتريتيس، ومسعد بولس كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط ضرورة وأهمية تفكيك «الميليشيات» المسلحة، والاتجاه إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة بما يسهم في استعادة أمن واستقرار ليبيا.
وفي سياق الاهتمام الدولي أيضاً كان الملف الليبي حاضراً في مجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وجرت مناقشة ثلاثة تحديات تتعلق بتطورات الوضع في البلاد خلال حلقة نقاشية طلبتها إيطاليا وفرنسا واليونان ومالطا قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، وكان النقاش مناسبة ليؤكد فيها وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني رفض بلاده نقل قواعد عسكرية روسية من سورية إلى ليبيا، ودعا إلى تحرك جديد للاتحاد الأوروبي لإعادة إطلاق العملية السياسية في ليبيا برعاية الأمم المتحدة، وإثارة مسألة مخاطر تدفقات الهجرة، فضلاً عن «مقاومة النفوذ الروسي المتزايد».