مهندس معماري سوري يقود إعادة بناء قريته باستخدام الطائرة من دون طيار.

بعد فرّاره تحت القصف من قريته في شمال غرب سورية، واظب المهندس المعماري عبد العزيز المحمّد على توثيق الأضرار التي لحقت بها عبر طائرة مسيّرة للتصوير، ما ساعده في حشد دعم لإعمارها.
بعد أيام من سقوط حكم بشار الأسد، عاد المحمّد (34 عاماً) إلى قريته تل مرديخ في محافظة إدلب حيث موقع «إيبلا» التاريخي الذي يعود إلى خمسة آلاف عام، واستأنف العمل، موثّقاً خلال أسبوعين الأضرار الكبيرة التي لحقت بالقرية، خصوصاً جراء قصف قوات الجيش السوري السابق، وفقاً لوكالة «فرانس برس».
ويقول المحمّد لوكالة «فرانس برس»: «عندما عدت، فوجئت بحجم الدمار، كنّا نسير في الشوارع ولا نتعرّف عليها. لم أعرف بيت أهلي حتى»، ويروي أنه أمضى الأسبوعين «سيراً على الأقدام من بيت إلى بيت.. كنّا ندخل البيوت ونحن خائفون، لا نعرف ما يوجد داخلها، فالمنطقة بقيت لخمس سنوات تحت سيطرة النظام».
تحت أشعة شمس حارقة، يتابع المحمّد العمّال وهم ينهون عملهم في ترميم أحد بيوت قريته التي تحوّلت أبنيتها إلى هياكل، واختفت معالم طرقها وباتت تفتقر لكلّ مقومات الحياة.
– قرار بتنظيم قواعد اللباس في الشواطئ والمسابح العامة يثير جدلا بسورية
– «زمن الخوف من الأناناس انتهى».. فواكه استوائية تزيّن واجهات أسواق سورية
قبل نزوحه في العام 2019 نحو الحدود مع تركيا، بدأ المحمّد توثيق تفاصيل معالم القرية وبيوتها وشوارعها. لم يوقف العمل خلال فترة نزوحه، إذ كان يرسل طائرته المسيّرة لتصوير الأضرار.
من خلال بيانات جمعها، أنشأ خارطة تفاعلية للقرية تُبيّن بالتفصيل حال كلّ منزل من منازل القرية البالغ عددها 1500.
وساعدت هذه البيانات في تحريك منظمة «شفق»، وهي منظمة إنسانية مقرها تركيا وافقت على تمويل كلفة ترميم 434 منزلاً من نحو 800 منزل متضرر، بينما هناك 700 منزل مدمّر بشكل كامل.
وبدأت أعمال الترميم قبل أسابيع عبر متعهّد محلي، ويفترض أن تنتهي في أغسطس بكلفة تفوق المليون دولار. وتشمل الأعمال أيضاً إصلاح بئرين للمياه وشبكات للصرف الصحي.
ويقول المحمّد، الذي يزور القرية باستمرار لمتابعة العمل رغم أنه يقطن في مدينة إدلب الواقعة على بعد نحو 18 كيلومتراً: «بدأ المشروع فعلاً ولم نصدّق أننا وصلنا إلى هذه المرحلة، وأن البيوت سوف تُبنى بالفعل، وسيعود الناس».
ويضيف الشاب: «حلمي اليوم كابن قرية تل مرديخ أن يُعاد إعمار القرية، وأن يعود إليها الناس والحياة، لأن مشهد القرية كئيب من دون أهلها ومع بيوتها المدمّرة».
«أمل» تحققه مبادرات فردية
شرّد النزاع الذي بدأ العام 2011، بُعيد قمع السلطات للاحتجاجات الشعبية التي اندلعت ضدّ حكم عائلة الأسد، قرابة نصف عدد سكان سورية داخل البلاد وخارجها. ولجأ جزء كبير من النازحين إلى مخيمات في إدلب ومحيطها.
وبحسب أرقام جديدة للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، عاد أكثر من 500 ألف سوري إلى ديارهم من الخارج، في حين رجع نحو 1.2 مليون سوري من النازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية منذ أواخر نوفمبر.
وقدّرت المفوضية أنه بحلول نهاية العام 2025، قد يتمكن ما يصل إلى 1.5 مليون سوري في الخارج ومليوني نازح داخلياً من العودة إلى ديارهم.
ومع رفع العقوبات الغربية عن سورية، لا سيما الأميركية، تعوّل السلطات الجديدة على دعم الدول الصديقة والغربية لإطلاق مرحلة إعادة الإعمار، والتي قدّرت الأمم المتحدة كلفتها بأكثر من 400 مليار دولار.
وتقتصر إعادة الإعمار حتى اللحظة على مبادرات فردية أو من منظمات إنسانية، بينما لم تشرع الدولة بعد في وضع خطط لها.
وعلى غرار قرى أخرى في محافظة إدلب كانت تحت سيطرة قوات الجيش السوري سابقاً، عاد العشرات فقط من سكان تل مرديخ إلى القرية وهم يعيشون في بيوتهم المدمّرة في انتظار ترميمها.
بين هؤلاء علاء الغريب (45 عاماً) الذي ينتظر ترميم منزله ضمن مشروع منظمة «شفق». ويقول: «عشت سبع سنوات في الخيم. عند التحرير، عدت إلى قريتي، لا أبواب ولا شبابيك ولا شيء في بيتي»، مضيفاً: «وضعت بطانية على الباب ودخلت ونظّفت المنزل وسكنت فيه».
ويطمح المهندس المعماري عبدالعزيز المحمّد إلى أن تعود الحياة إلى قريته وتنشط السياحة فيها من جديد.
ويقول: «أتمنى أن أرى سورية وقد أُعيد إعمارها على طراز حديث أطمح إليه كمهندس معماري، وأرى سورية التي نحلم بها.. فيها أمل ويبنيها شبابها».