العدد 500: (الوسط) والتحديات المرتبطة بالهوية

500 أسبوع دون انقطاع من العمل الصحفي ونحن نقترب من إكمال العام العاشر من عمر الجريدة، كان التحدي على امتداد سنوات هو التمسك بالأداء المهني المرتكز على الدقة، والموضوعية، والمصداقية (ثالوث معيار النجاح)، وهو ما وعدنا به القارئ منذ العدد الأول، وعاهدنا أنفسنا كأسرة «الوسط» أن نكون على مستوى هذا التحدي في طريقنا إلى ثقة القارئ.
لم يكن خوض هذا التحدي أمراً يسيراً في هذا الوضع الاستثنائي الذي تعيشه ليبيا، وما أنتجه من انقسامات واصطفافات سياسية وجهوية أنتجت، بدورها، مبدأ «من ليس معي فهو ضدي» سواء على مستوى النخبة أو العامة، فكانت «الوسط» أمام خيارين، إما أن تتبنى موقف الحياد الكامل، أو تنحاز، لكن خيار الانحياز لن يكون إلا إلى جانب الوطن والمواطن، وهو ما اتخذته طريقاً، عبر وضع كل ما أتيح من حقائق أمام المواطن، وإطلاعه على ما يجري في الوطن، وكيف يرى الخارج بلادنا ليبيا، متوخين الدقة في نقل المعلومة، والاستناد إلى المصدر الموثوق، والتزام الموضوعية، بعيداً عن أساليب الإثارة، وتحقيق السبق لمجرد السبق، ونصب «كمائن العناوين» ركضاً وراء الأرقام.
وقد آثرنا كل ذلك على مطمح السبق المرغوب والمشروع في عالم الصحافة، طوال الـ500 عدد كنا نجتهد في انتقاء الصياغة التي تحترم عقل القارئ، بدءاً من المفردة، وانتهاءً بسياق المحتوى ومقصده، وبدا أداء أسرة الجريدة في الحالة التي تعيشها البلاد كمن يسير في حقل ألغام، ما استوجب دوام اليقظة، والحرص، وتغليب مصلحة الوطن على ما عداها من ناحية المحتوى الخبري، والتقريري، والتحليلي وما في حكمها، وإلى جانب ذلك في الإطار المكمل نحظى بنشر مقالات الرأي التنويرية لنخبة من أبرز كتابنا الليبيين، لنصل إلى ما نعتقده فوزنا بثقة القارئ، ودون شك ما كنا نفلح في هذا لولا خبرة وإلمام إدارة «الوسط» بقواعد المهنة وتفاصيلها، ومرونتها الإدارية، وجهد وتفاني أسرة الجريدة التحريرية والفنية الطامحة دائماً للتطوير وتحقيق الأفضل.
يصدر العدد 500 من جريدة الوسط بينما لا تزال أزمة البلاد على حالها، وإذا توقفت عن حالة الدوران في حلقة مفرغة فهي تتجه إلى مزيد التأزم، مع استفحال حكم الأمر الواقع الذي يشمل أجسام السلطة القائمة، أو ما يطلق عليهم «أطراف الأزمة»، واستمرار الرهان على عملية سياسية ظلت، حتى الآن، كسيحة ترعاها وتديرها البعثة الأممية في ليبيا، محاولة بعث شيء من الروح فيها كلما أوشكت على الموت، بفعل عناد تلك الأطراف، ووضع المطبات في طريقها دفاعاً عن المواقع، وحفاظاً على الامتيازات، تكريساً لثقافة الاستحواذ والغنيمة، ومبدأ «لي كل شيء، ولا شيء للخصم».
ولعل اجتماع المشاركين، فيما يعرف بمؤتمر أو عملية برلين، يأتي كمحاولة لإلقاء طوق النجاة على العملية السياسية لحل الأزمة الليبية، وذخيرتها هذه المرة مخرجات لجنة العشرين الاستشارية التي شكلتها البعثة نفسها لبحث الخروج من شرنقة الخلافات بين أطراف الأزمة.
وستظل «الوسط» تتابع وتقدم لقارئها كل ما يستوجب أن يعرفه، وفق أداء مهني كما عهده، ديدنه خدمة هذا القارئ ـ المواطن ـ صاحب الحق في الاطلاع على المعلومة التي تخص بلاده، وهذا من أول واجباتنا، ومبررات عملنا كصحفيين، لا يفارقنا الأمل في تجاوز العراقيل الناجمة عن هذا الوضع الاستثنائي، الذي حرم قارئنا من وجود النسخة الورقية من جريدة «الوسط» بين يديه صباح كل يوم أو أسبوع أينما كان في عموم وطننا ليبيا.