الذكاء الاصطناعي يدخل ساحات القضاء: هل هو طريق نحو عدالة أكثر فعالية أم تحدٍ مليء بالمخاطر؟

الذكاء الاصطناعي يدخل ساحات القضاء: هل هو طريق نحو عدالة أكثر فعالية أم تحدٍ مليء بالمخاطر؟

بدأ الذكاء الصناعي التوليدي يُستخدم في المحاكم، إذ يستعين به القضاة في أبحاثهم، والمحامون في صياغة الدعاوى، وحتى الأفراد في إعداد إفاداتهم خلال الجلسات، ما أثار تساؤلات بشأن تأثيره على العدالة.

في مدينة فينيكس بولاية أريزونا الأميركية، خاطب كريس بيلكي، بواسطة مقطع فيديو، المتهم بقتله والقاضي تود لانغ الذي ينظر في القضية، قبل النطق بالحكم، بحسب ما نقلته وكالة «فرانس برس».

وكان كريس، وهو محارب قديم، قد قُتل بإطلاق نار عام 2021 خلال مشادة كلامية بين سائقي سيارات. وظهرت شخصيته الافتراضية، المصممة بتقنية الذكاء الصناعي من قِبل شقيقته ستايسي ويلز، لتقول: «أؤمن بالغفران».

وقالت ستايسي: «كنت أعلم أن ذلك سيكون مؤثراً، وأنه سيضفي على كريس طابعاً إنسانياً في نظر القاضي». وعلّق القاضي لانغ: «لقد أعجبتني هذه الشخصية الافتراضية للضحية. أجد أنها تعبّر عن الحقيقة».

واختُتمت الجلسة بهذه الشهادة التي كانت الأولى من نوعها، بعد أن تحدث عشرة من أفراد العائلة. وأضافت ستايسي: «أعتقد أن هذا هو سبب رد فعله الإيجابي».

– تقرير: هل يهدد الذكاء الصناعي مستقبل الإعلام التقليدي؟
– «ريديت» تقاضي «أنثروبيك» على خلفية استخدام محتواها لتدريب الذكاء الصناعي
– الذكاء الصناعي يقتحم عالم التسوق من أوسع أبوابه

ورغم فرادة هذه الحادثة، فإن استخدام الذكاء الصناعي في المحاكم الأميركية يتزايد. ويرى المحامي ستيفن شوارتز، من بورتلاند، أنه «أداة مفيدة توفّر الوقت، شرط التأكد من دقة نتائج البحث». وهو يستخدم «تشات جي بي تي»، إلى جانب منصات متخصصة مثل «بروتيجيه» (من «ليكسيس نيكسيس») و«كوكاونسل» (من «تومسون رويترز») للبحث عن السوابق القانونية أو القضايا المشابهة.

لكن شوارتز حذّر من الاعتماد الكلي على الذكاء الصناعي، قائلاً: «يجب قراءة الملفات للتحقق من دقة المعلومات، فالجميع يتذكر القصص المرعبة عن خلط الذكاء الصناعي بين القضايا».

ففي مطلع مايو، فرض قاضٍ فدرالي في لوس أنجليس غرامة قدرها 31,100 دولار على مكتبين للمحاماة، بسبب دعوى قانونية تضمنت تسعة أخطاء في عشر صفحات، ووصفها بأنها «كارثة جماعية».

كما بدأ بعض الأفراد، دون الاستعانة بمحامين، باستخدام الذكاء الصناعي لرفع دعاوى بأنفسهم، ما أدى إلى تقديم ملفات مليئة بالأخطاء والاستشهادات الزائفة.

من جهته، لفت شاي كليري، من «المركز الوطني لمحاكم الولايات»، إلى أن «صوغ الدعاوى وتقديمها أصبح أكثر سهولة»، متوقعاً زيادة كبيرة في أعداد القضايا نتيجة لذلك، مما يستدعي استعدادات قضائية ملائمة.

أداة للتحول القضائي
يرى أستاذ القانون في جامعة «نورث وسترن»، دانيال لينا، أن الذكاء الصناعي يُبشّر بنظام أكثر فاعلية قد يحسّن أداء القضاء، لا سيما أن «الخدمات القانونية ليست في متناول نحو 80 إلى 90% من الناس».

ويقول لينا: «أتحدث مع الكثير من القضاة الذين يستخدمونه بشكل متزايد، وإن لم يتحدثوا عنه علناً»، مشيراً إلى تجاربهم في استخدام الذكاء الصناعي كمساعد في صياغة الأحكام.

وأشار إلى أن بعض القضاة الفدراليين في واشنطن أوضحوا في قراراتهم المكتوبة أنهم استعانوا بـ«تشات جي بي تي» للتحقق من الرأي القانوني، وليس لتكوينه.

وشدد لينا على أن «القضاة يجب أن يكونوا على دراية بأحدث التقنيات، وأن يتلقوا تدريباً على استخدام الذكاء الصناعي».

ورغم استبعاده احتمال أن يُستبدَل القضاة بالذكاء الصناعي، إلا أنه أشار إلى أن تأثيره على مسار القضايا واضح، قائلاً: «الأمر يشبه تغيير المساعدين القانونيين، وقد يؤدي ذلك إلى اختلاف في النتائج».

وتابع: «هذا المساعد الجديد يستطيع اختيار نصوص مرجعية مختلفة، وصياغة أحكام جديدة، وإبراز وقائع مغفلة، وكل ذلك يدعم القاضي في اتخاذ القرار»، مضيفاً أن هذه الأدوات قد تساهم في تقليص عدد الاستئنافات وتحسين جودة العدالة.

واختتم ستيفن شوارتز بالقول: «من الواضح أن الذكاء الصناعي قد يؤثر على نتيجة القضايا. وربما يكون تأثيره إيجابياً».