صحيفة «الوسط»: في ظل اجتماع برلين.. البعثة الأممية تواجه موجة من الانتقادات

لم يتوقف النقاش حول مقاصد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وتوصياتها وصلاحياتها قبيل التئام اجتماع جديد لما يسمى بعملية برلين المقرر الجمعة عقب استطلاع للرأي أطلقته البعثة لجس نبض الشارع بشأن مخرجات لجنة العشرين الاستشارية، في ظل وضع أمني مشوب بحالة عدم اليقين، مع تشبث الأجسام السياسية الحالية كلٌّ بموقفه من طريقة تشكيل الحكومة الجديدة المثيرة للجدل قبل أن ترى النور.
وأطلقت الأمم المتحدة حملة ترويجية عبر منصات التواصل الاجتماعي مستهدفة الشباب والإعلاميين الليبيين ومكونات المجتمع المدني بغية استشفاف آرائهم حول الخيارات الأربع التي طرحتها اللجنة في تقريرها النهائي، وسيتعين على المشاركين في الاستطلاع الاختيار بين إجراء الانتخابات في ظل حكومتين، أو دمج الحكومتين القائمتين عبر اتفاق سياسي، إلى جانب خيار ثالث وهو توزيع السلطة التنفيذية بين ثلاث حكومات إقليمية مع تشكيل حكومة مركزية، أما الخيار الأخير فيتلخص في تشكيل سلطة تنفيذية (حكومة جديدة) واحدة ذات صلاحيات محددة، في غياب خيار يحبذه كثيرون وهو إمكانية خروج جميع الأجسام الحالية وتشكيل حكومة عبر انتخابات.
رسائل مشفرة خلال لقاءات فريق المراجعة
وعلى المستوى الرسمي لم تخل لقاءات فريق المراجعة الاستراتيجية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من الرسائل المشفرة حول أدائها عقب اجتماع مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، وعضوي المجلس موسى الكوني وعبدالله اللافي، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» عبدالحميد الدبيبة، وبعض البرلمانيين، وبينما شدد المنفي على «أهمية أن تنسجم أدوار البعثة الأممية مع تطلعات الشعب الليبي في دعم الاستقرار» طالب عضوا المجلس الرئاسي الكوني واللافي الفريق الأممي بضرورة «إرساء مبدأ المساءلة وتطوير أداء البعثة»، مشددين على أهمية صياغة «خطط واقعية تتناسب مع السياق الليبي، وتعزز سيادة الدولة ووحدتها».
كما دعا الدبيبة الفريق الأممي إلى «تعزيز الشفافية والحياد في دعم العملية السياسية الليبية»، فيما طالب البرلمانيون فريق المراجعة المكلف من الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس بوضع استراتيجيات واضحة للبعثة تسهم في تحقيق الاستقرار في ليبيا من خلال المؤسسات القائمة، في إشارة إلى رفضهم إقصاء الأجسام الحالية من رسم خارطة التسوية السياسية.
– للاطلاع على العدد «500» من جريدة «الوسط».. اضغط هنا
الدبيبة يدعو مجددًا إلى الذهاب للانتخابات
وفي الأثناء استبق الفاعلون السياسيون في المشهد الليبي اجتماع برلين، وهم يتخوفون من إرساء خارطة طريق جديدة تسحب الثقة منهم، بتكثيف حضورهم؛ إذ كشف خالد المشري، المتنازع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة، أنه سيجتمع قريباً مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح للاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، بينما وجه عدة خطابات رسمية إلى كل من رئيس المجلس الرئاسي وأعضائه، والنائب العام، ورؤساء المؤسسات القضائية والرقابية والمالية أكد فيها أن المحكمة العليا حسمت النزاع القانوني حول رئاسته للمجلس لصالحه، في وقت جدد الدبيبة رؤيته القائمة على الذهاب المباشر إلى استحقاق انتخابي شامل، باعتبار ذلك المسار الأمثل لتجديد الشرعية وتثبيت الاستقرار، وقال خلال اجتماعه في العاصمة طرابلس مع وفد أممي «إن هذا التوجه نحو الانتخابات يحظى بدعم شعبي واسع وتطلعات وطنية ملحّة للخروج من دوامة التعطيل السياسي».
ومن مصراتة التي ينتمي إليها الدبيبة جاء الرد مخالفاً في بيان لـ«القوى السياسية والاجتماعية في مدينة مصراتة»، التي دعت بعثة الأمم المتحدة والدول الفاعلة إلى ضرورة الاستجابة لنداءات الشعب، والإعلان عن مسار سياسي واضح يُفضي إلى تشكيل حكومة جديدة موحدة وممثِّلة لجميع المواطنين تحفظ أمن البلاد وتُهيِّئ الظروف لانتخابات عامة عاجلة، مشيرة إلى أن حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» برئاسة الدبيبة جاءت عبر حوار سياسي رعته البعثة الأممية، ولا تمثل مدينة مصراتة. واتهم البيان هذه الحكومة بـ«ممارسة الفساد والنهب وإفقار الليبيين، وتعريض حياة المدنيين للخطر بمحاولتها السيطرة على العاصمة بالقوة الغاشمة».
وضع أمني مشوش في طرابلس
يأتي ذلك في وقت تعيش فيه العاصمة طرابلس جواً أمنياً مشوشاً، وسط تصريحات رئيس حكومة «الوحدة الوطنية الموقتة» بشأن تأمين العاصمة طرابلس، الذي بات، نظرياً، من اختصاص وزارة الداخلية وفق ترتيبات أمنية شرعت الحكومة في تنفيذها بالتنسيق مع المجلس الرئاسي، لكن على مستوى الميدان لم تختف بعد الخروقات الأمنية؛ إذ تعرض مقر وزارة الموارد المائية التابعة لحكومة الدبيبة، مساء الأربعاء، لحادثة اقتحام مسلح من قبل وزيرها الموقوف عن العمل مرفوقاً بقوة عسكرية، وفق ما نقل عن موظفين في الوزارة.
وفي السياق نفسه أثارت حادثة إطلاق رصاص حي باتجاه مواطنين خلال أعمال شغب شهدتها مباراة ديربي العاصمة بين فريقي الأهلي والاتحاد مساء الأربعاء ـ كما ظهر في مقاطع مصورة ـ حالة من الاستياء والقلق لدى سكان طرابلس، في غياب الحضور الأمني، ما يبقي المناخ الأمني في العاصمة ملبداً بالغموض والتوتر، على الرغم من الظهور الاستعراضي لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي عبر مقاطع مصورة وهو يلتقي مواطنين في بعض ميادين وشوارع العاصمة عقب القرارات الأمنية الأخيرة بعد اشتباكات مسلحة دارت قبل أسابيع.
وفي انتظار اجتماع برلين وترقب مخرجاته يبقى الوضع في البلاد على حاله رهين عملية سياسية كسيحة تقودها الأمم المتحدة، وسط انقسام سياسي يتوسع، ويترسخ، ويثير المخاوف بأن ينتقل من الموقت إلى الدائم.