كيف تمكنت خلايا “الموساد” من الانتشار في إيران؟ وما هي الإجراءات التي تتخذها السلطات لتنقية البلاد من العملاء؟

كيف تمكنت خلايا “الموساد” من الانتشار في إيران؟ وما هي الإجراءات التي تتخذها السلطات لتنقية البلاد من العملاء؟

بالتوازي مع الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، وتبادل الهجمات العسكرية بمختلف الأسلحة، فإن حرباً داخلية بدأتها إيران في أنحاء البلاد لملاحقة ما سمتهم بـ«المتعاملين» مع جهاز «الموساد» الإسرائيلي، وهم العملاء والجواسيس الذين تستخدمهم «إسرائيل» في تنفذ مهام كشفتها السلطات الإيرانية منذ الأيام الأولى للحرب، والتي ظهرت ملامحها مع تزايد الهجمات بمسيّرات ذات هجمات انقضاضية صغيرة من داخل البلاد على علماء وشخصيات علمية بارزة ومنشآت إيرانية. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف انتشرت بهذه الصورة خلايا الموساد في إيران؟ وماذا تفعل السلطات حالياً لـتنظيف البلاد من هؤلاء العملاء؟

وفجر الجمعة الماضي، بدأت «إسرائيل» حربها على إيران بضربات واسعة النطاق، وقالت إنها استهدفت منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية ومنظومات الدفاع الإيرانية وقادة عسكريين بارزين، مؤكدة أنها «بداية عملية مطولة لمنع طهران من صنع سلاح نووي».

وامتدت الاغتيالات الإسرائيلية إلى رئيس هيئة الأركان الإيراني محمد باقري وقائد الحرس الثوري حسين سلامي وغيرهما.

وقتل 14 عالما نوويا إيرانيا، على الأقل، بحسب وكالة «رويترز» منذ بداية الحرب التي بدأت الجمعة الماضي، بعضهم في تفجيرات بسيارات ملغومة، وذلك بعد يوم من إعلان الجيش الإسرائيلي اغتياله 9 علماء وخبراء بارزين منخرطين في المشروع النووي الإيراني.

سقوط عملاء لـ«موساد» داخل إيران
وقد اعتقلت الشرطة الإيرانية اليوم الخميس مجموعة عملاء لـ«الموساد» أطلقوا مسيرات صغيرة من صحاري ضواحي طهران وضبطت الشرطة أجهزة تحكم وقنابل.

وقال قائد شرطة غرب طهران كيومرث عزيزي إنه جرى اعتقال 24 شخصا كانوا يتجسسون لصالح العدو الصهيوني على أرض الواقع وعبر الإنترنت، وفق ما نقلت عنه وكالة «فرانس برس».

كما أعلن أمس القائد العام لقوات الشرطة الإيرانية العميد أحمد رضا رادان اعتقال 5 عملاء مندسين، وضبط كميات من أدوات التجسس والمتفجرات كانت بحوزتهم، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا».

العملاء إيرانيون وليسوا «إسرائيليين»
هذا الملف، وهو زرع العملاء داخل إيران، عملت عليه «إسرائيل» منذ مدة طويلة، بحسب قناة «الجزيرة»، خاصة أن إيران بلد مترامي الأطراف يمتد على مساحة جغرافية واسعة، ولديه حدود مع دول مجاورة كثيرة.

ووفقا للمصادر، فإن هؤلاء العملاء «إيرانيون، وليسوا إسرائيليين»، لافتا إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون عددهم كبيرا بالنظر إلى أن إيران دولة يقترب عدد سكانها من 100 مليون نسمة.

وتعمل خلايا الموساد على تهريب طائرات مسيّرة انتحارية صغيرة تحمل لاحقا على سيارات «بيك أب» مفتوحة من الخلف وتغطى، وتنتقل في أرجاء مختلفة من البلاد، وفي لحظة ما يرفع الغطاء لتنفيذ المهام الموكلة إليها.

وذكرت مصادر أن إيران ذاهبة للسيطرة على هذه القضية، إذ ستعود قوات التعبئة «الباسيج» إلى المدن الإيرانية وستنصب حواجز داخلها وعلى أبوابها فقط لإيقاف نوع معين من السيارات والتعامل معها.

وبناء على هذا الوضع، فإن تهريب هذا النوع من المسيّرات «ليس صعبا» في ظل «حرب خفية في الأماكن الرمادية» بين تل أبيب وطهران، مما يشكل تحديا كبيرا للسلطات الأمنية الإيرانية.

وكانت السلطات الإيرانية قد طلبت من المواطنين الإيرانيين الانتباه إلى نوع معين من السيارات ، موديل بيك آب، استخدمها عملاء الموساد في إطلاق المسيرات التي استهدفت مواقع حساسة وشخصيات مهمة بالبلاد.

كما طلبت السلطات من المواطنين الإبلاغ عن أي أشخاص مشبوهين، أو أمور يشتبهون بأنها غير طبيعية.

مهام خلايا الموساد
وتنحصر مهام هذه المسيّرات في تنفيذ اغتيالات لعلماء نوويين، وضرب أجهزة الرادار ومعدات لها علاقة بالدفاع الجوي، وكذلك مهاجمة منشآت تابعة للدولة الإيرانية مثل استهداف مبنى وزارة الخارجية.

وحول ملاحقة هذه الخلايا، ذكرت مصادر إيرانية أن السلطات أعلنت اعتقال 21 مجموعة مختصة بهذا النوع من التهريب خلال العام الماضي.

وقالت قيادة الشرطة في أصفهان بوسط إيران إن قوات الأمن ضبطت ورشة لتصنيع المسيّرات في أطراف المدينة، واعتقلت 4 أشخاص، كما أعلنت السلطات الأمنية الإيرانية اكتشاف مصنع على أطراف طهران لتصنيع المسيرات.

وربما تسببت العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بفتح «باب الإغراء» لتجنيد أشخاص ليسوا على اطلاع دقيق بما يفعلون، أو أنهم يعملون لمصلحة الموساد، حسب مصادر لـقناة «الجزيرة» في طهران.

وتبين للسلطات الإيرانية وفق «إرنا» أن الطائرات المسيّرة التي استُخدمت في اغتيال شخصيات بارزة، من قادة عسكريين إلى علماء نوويين، كانت صغيرة الحجم لكنها قاتلة، وأُطلقت غالبًا من أنظمة محمولة على الكتف أو قواعد أرضية.

بلاغات من مدنيين
وبدأت أجهزة الأمن تتلقى بلاغات من مدنيين حول شاحنات صغيرة ومركبات مشبوهة بالقرب من المناطق المستهدفة. أحد مقاطع الفيديو المنتشرة أظهر صاروخًا يُطلق من منطقة سكنية، ما عزز قناعة أجهزة الاستخبارات بوجود خلايا نائمة منظمة من الموساد تنفذ الهجمات من الداخل.

وبحسب جريدة «خراسان» الإيرانية فإن قوات الأمن عثرت على قاذفات صواريخ «سبايك» مضادة للدروع يجرى التحكم بها عبر الإنترنت، وكان هدفها تشتيت الدفاعات الجوية الإيرانية للسماح للمقاتلات الإسرائيلية باختراق الأجواء.

تحوّل إسرائيل إلى التفجيرات الإرهابية
ومع كشف عمليات الطائرات المسيّرة وإحباطها، لجأ عملاء إسرائيل، بحسب الجريدة، إلى أسلوبهم التقليدي المتمثل في تفجيرات السيارات المفخخة، وهي وسيلة لطالما استخدمتها تل أبيب في اغتيالاتها السرية عبر غرب آسيا.

وفي 15 يونيو، انفجرت سيارة مفخخة ضخمة في وسط طهران، ما أدى إلى إصابة مدنيين ومقتل ثلاثة ضباط كبار من استخبارات الحرس الثوري، من بينهم محمد كاظمي، رئيس منظمة استخبارات الحرس.

وبعد ساعات، وقع انفجار ثانٍ قرب مطار مشهد، ألحق أضرارًا بالبنية التحتية القريبة من مرقد الإمام الرضا عليه السلام. وفي نفس اليوم، جرى العثور على عبوة ثالثة وتفكيكها في حديقة بمدينة ري.

يقظة المواطنين والاعتقالات
وقد أدى بيان السلطات الإيرانية إلى تعبئة عامة واسعة، أنشأت بموجبها مجموعات من المتطوعين نقاط تفتيش في محافظتي لرستان وفارس لتفتيش الشاحنات الصغيرة والمركبات المشبوهة.

وأفاد مسؤولو الاستخبارات والشرطة بارتفاع كبير في البلاغات الشعبية، ما أدى إلى اكتشافات مهمة، منها ضبط طائرات مسيّرة مفخخة في فيلا تعود لطبيب أعصاب بارز قرب مدينة خرم آباد. وفي مقطع فيديو منفصل من نفس المحافظة، ظهر مواطنون وهم يعتقلون شخصًا متهمًا بالتجسس.

في 14 يونيو، وبعد هجمات أضرمت النيران في مستودع وقود في شهران ومستودع نفطي في جنوب طهران، داهمت قوات الأمن ورشة في مدينة ري، حيث جرى العثور على 200 كغم من المتفجرات، و23 طائرة مسيّرة مع منصات إطلاقها، وأنظمة تحكم عن بعد، وشاحنة نيسان زرقاء من نفس الطراز المستخدم في اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده في العام 2020. وجرى العثور على ورشات تجميع إضافية للطائرات المسيّرة في أصفهان وكرج، وكلا المدينتين تعرضت لهجمات إسرائيلية.

لعل الاختراق القاتل الذي نفذته إسرائيل في الجغرافيا الداخلية لإيران، والذي بلغ ذروته بعمليات اغتيال منسقة وضربات بالطائرات المسيّرة، أدى إلى حملة داخلية واسعة النطاق، في وقت تسابق فيه طهران الزمن لاستعادة السيطرة، و«تنظيف» البلاد من عملاء الموساد.