صراع من بعيد!

الحرب قديمة قدم البشر، لكن وسائلها متجددة، حد أن نظن أنها لعبة، في هذا العصر السيبراني. والحرب خدعة في سالف الزمان وآتي الدهر، لكن في العصر السيبراني، أصبح اللعب على المكشوف، فجبل الثلج بات مقلوبا، جله مشرئب إلى السماء وما تحت مثلما الجذور.
ولما دخل البشر عصر الذرة، عدوه عصر توازن الرعب، ومن هذا الاعتبار استبعدوا الوسيلة المستجدة، لكن لم يستبعدوا القديمة أي الحرب ذاتها. وما بعد الذرة كف الأوروبيون عن الحروب الكبرى، ونزعوا إلى ترويج حروب الوكالة، التي أكثرت خارج القارة الأوروبية، لكن تكاليفها ونتائجها انخفضت عن الحروب الكبرى.
إذا ما استجد بعد الحرب الأوروبية الكبرى الثانية، الحرب عبر الغير وبالمستحدث من وسائل عسكرية، لكن تحت مراقبة دولية: الأمم المتحدة، الجمعية العامة ومجلس الأمن. ما منح الحروب هوية دولية، هذه الحروب تقوم بين الدول التي تجمعها الأمم المتحدة، هذه الدول تتنازع على الحدود، أي أغلبها دول جوار، وإن هي غير ذلك فهي دول كبرى، تهيمن عن بعد على الجيوسياسي للحرب وما قبلها وما بعدها.
كل الحروب دارت، فيما مضى، على خشبة المسرح/الأرض، وإن استخدمت وسائل طائرة، وعليه فإنه اقتصر على تنفيذ ضربات عسكرية محدودة عبر الفضاء. لكن العصر السيبراني تخطى هذه الحالة، فظهرت لأول مرة حرب فضائية، تدك فيها أرض العدو من خلال السماوات وما أدراك ما السماوات؟ بطبيعة الحال أن الحرب عن بعد، أمست ممكنة بحكم التطور التقني، ما وفر للمعركة وسائل الاتصال والنقل لأدوات الحرب ووقودها، فممكن أن تكون هناك حاملة طائرات فضائية مثلما حاملات الجراد، كما ممكن إرسال المتفجرات عبر المنجنيق/الصواريخ، ومن هذا السيطرة على سماء العدو هو البعد الاستراتيجي في الحرب عن بعد.
في العصر السيبراني، في سنة 2025، دولة أسها، مما قبل الميلاد، الديانة اليهودية وأساطيرها، هذه الدولة الصناعة الأوروبية الغربية الأمريكية، الدولة الحربية الأمنية، إسرائيل خلقت أو رسخت عبر عدوانها على إيران الحرب عن بعد، جاعلة من البشرية المتفرج الوحيد عبر عواجل وشاشات فضية وأقمار فضائية.
وقد كان الداعي إلى ذلك ادعاء الخلاص من المشروع النووي الإيراني، ما تم حوله لغط دام لأكثر من عقدين، وتم عليه معاقبة إيران اقتصاديا من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبي وأتباعهما. وبالنسبة للدولة اليهودية فإنها تعتبر نفسها دولة مستهدفة، وعليه ستردع كل ما تتصوره يمثل خطرا عليها، ولهذا ضربت في عملية حربية المفاعل النووي العراقي في لحظات إنشائه الأولى، ما اعتبره القانون الدولي والأمم المتحدة عدوانا سافرا.
إن إسرائيل قامت بالعدوان على إيران في عمليات محدودة، وحتى بعد عملية الطوفان الأقصى التي قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس انطلاقا من غزة في 7 أكتوبر 2023م، أجرت إسرائيل عملية حربية جوية، بعد أن أطلقت إيران رشقة صاروخية عام 2024م، ردا على قيام إسرائيل بضرب السفارة الإيرانية في سوريا.
لكن الحرب عن بعد بدأت غب العدوان الإسرائيلي الذي بدأ «الجمعة، 13 يونيو 2025، حين شنّت إسرائيل سلسلة من الضربات الجوية غير المسبوقة وواسعة النطاق على أهداف داخل الأراضي الإيرانية، شملت منشآت نووية، ومصانع صواريخ باليستية، وقادة عسكريين، وعلماء نوويين، وقد أُطلق على العملية الاسم الرمزي (عم كَلافي) بالعبرية: עם כלביא، وتعني حرفيًا الأسد الصاعد ما هو تعبير توراتي».
الحرب بين الدولة الصهيونية وإيران دفعت بمجموعة من السوابق، أهمها أنها حرب عن بعد، وثانيها أن إسرائيل تبدو بها مكلفة، من قبل دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة، بدور الشرطي في المنطقة، كما كلفت بمهمة الإبادة البشرية في غزة. ومن هذين فإن العالم دفع إلى منطقة، الحرب فيها الوسيلة المبتغاة، للسيطرة وإدارة شؤون البشرية.