ارتفاع غير مفسر في حالات سرطان الرئة لدى غير المدخنين

ارتفاع غير مفسر في حالات سرطان الرئة لدى غير المدخنين

يشهد العالم تزايدًا لافتًا في حالات سرطان الرئة بين الأشخاص الذين لم يدخنوا قط، ما يطرح تساؤلات ملحّة حول أسباب المرض الذي لطالما ارتبط تاريخيًا بالتدخين. الأطباء اليوم يدرسون هذا النمط بوصفه مرضًا مختلفًا كليًا، له خصائص جينية ومسببات بيئية مغايرة.

مارثا، البالغة من العمر 59 عامًا، كانت واحدة من هؤلاء المرضى. لم تكن مدخنة، لكنها بدأت تلاحظ تغيرًا في سعالها وزيادة في لزوجة المخاط. شخص الأطباء حالتها بداية كالتهاب مزمن في الرئة، لكن الأشعة كشفت عن ظل مريب، تبيّن لاحقًا أنه ورم سرطاني في المرحلة الثالثة، ما شكّل صدمة لها وعائلتها.

سرطان الرئة لا يزال السبب الأول لوفيات السرطان عالميًا. في عام 2022 وحده، تم تسجيل 2.5 مليون حالة جديدة، توفي منهم أكثر من 1.8 مليون. وبينما لا تزال غالبية الحالات مرتبطة بالتدخين، فإن نسبة المرضى غير المدخنين ترتفع، وتشكّل حاليًا ما بين 10 إلى 20% من التشخيصات الجديدة.

بحسب د. أندرياس ويكي، أخصائي الأورام بمستشفى جامعة زيورخ، فإن سرطان الرئة لدى غير المدخنين ليس مجرد استثناء بل مرض منفصل من حيث الخصائص الجزيئية والاستجابة للعلاج. ويشير إلى أن المرضى الأصغر سنًا، خاصة من هم في الثلاثينيات، غالبًا ما يكونون من غير المدخنين.

وعلى مستوى النوع، فإن سرطان الغدة الرئوي (Adenocarcinoma) بات هو الأكثر شيوعًا بين غير المدخنين. يبدأ هذا النوع في الخلايا المنتجة للمخاط، ويُعد خفيًا في مراحله الأولى، حيث لا تظهر أعراض واضحة إلا بعد أن يصبح الورم كبيرًا أو ينتشر.

اللافت أن النساء، خصوصًا الآسيويات، أكثر عرضة لهذا النمط من السرطان. ويُعزى ذلك إلى الطفرات الجينية، لاسيما طفرة EGFR، التي ترتبط بمستقبلات نمو الخلايا، ويُرجَّح أن للهرمونات الأنثوية دورًا في تفعيلها. هذه الطفرات أتاحت تطوير علاجات موجّهة حسّنت نسب البقاء على قيد الحياة بشكل كبير.

في المقابل، لا يمكن تجاهل العوامل البيئية، وعلى رأسها تلوث الهواء. فقد بات تلوث الهواء الخارجي ثاني أبرز مسبّب لسرطان الرئة بعد التدخين، حيث كشفت الدراسات عن علاقة قوية بين الجسيمات الدقيقة PM2.5 وظهور الطفرات السرطانية مثل EGFR. وتمتص هذه الجسيمات عبر خلايا مناعية تطلق مركبات تحفّز نمو الخلايا الورمية.

وفي عام 2022، قدّرت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان أن نحو 194 ألف حالة سرطان رئة ناتجة عن تلوث الهواء، معظمها في شرق آسيا. كما كشفت دراسة في بريطانيا عن 1100 حالة مماثلة، رغم انخفاض معدلات التلوث مقارنة بدول كالهند والصين.

وتدعو هذه المعطيات، بحسب الباحثين، إلى تغيير النظرة التقليدية للمرض. فقد آن الأوان للتعامل مع سرطان الرئة كتهديد بيئي وصحي شامل لا يقتصر على المدخنين، خاصة في ظل ارتفاع الحالات بين النساء والشباب، وتحسّن فرص النجاة مع تطور العلاجات المستهدفة.

مارثا، التي تخضع للعلاج بمثبطات EGFR منذ ثلاث سنوات، تؤكد أن الدواء “ليس سهلًا” ويُسبب آثارًا جانبية، لكنها تشعر بأنه يُبقي المرض تحت السيطرة. وتختم قائلة: “قبل سنوات، كان هذا التشخيص حكمًا بالموت. اليوم، هناك أمل، وعلينا أن نتمسك به.”