إيفاد الإعلام: جيل سعودي يشكل مستقبل الإعلام العالمي

إيفاد الإعلام: جيل سعودي يشكل مستقبل الإعلام العالمي

الكاتبة المستشارة الإعلامية/ عائشة بنت مطلق العتيبي

في مسعى وطني رائد لإعادة تشكيل المشهد الإعلامي السعودي، أعلنت وزارتا الإعلام والتعليم رسميًا إطلاق برنامج ابتعاث الإعلام، الذي يتيح للمبتعثين دراسة الإعلام في 15 دولة حول العالم ضمن برامج وتخصصات مستقبلية تتماشى مع مستجدات العصر. هذا البرنامج ليس فرصة تعليمية فحسب، بل هو استثمار استراتيجي في الكفاءات الوطنية الواعدة، بهدف صياغة إعلام سعودي مؤثر له حضور عالمي يتناغم مع رؤية السعودية 2030.

لا تقتصر مكاسب البرنامج على الجانب الأكاديمي وحده، بل تتجاوز لتترسّخ في صلب تنمية الإعلاميين؛ ففي خضم الدراسة في بيئات إعلامية متطورة، سيكتسب طلبة الإعلام مهارات مهنية عالية مثل الإعلام الرقمي والاتصال الاستراتيجي والصحافة الاستقصائية، ويغرفون من تقنيات صناعة المحتوى المعاصر.

في الوقت ذاته، تؤهلهم هذه التجارب للعودة محمّلين بإمكانيات نقل المعرفة إلى داخل السياق السعودي، مما يعزز من قوة المحتوى الوطني وقدرته على التنافس دوليًا.

إضافةً إلى ذلك، يكتسب المبتعثون شبكة علاقات مهنية ثرية مع مؤسسات أكاديمية وإعلامية عالمية، مما يفتح أمامهم أفاقًا قيادية مستندة إلى الخبرة العالمية.

بل إن الدراسات الدولية تثبت أن استثمار الدول في تطوّر إعلامييها من خلال بعثات خارجية يثمر بوضوح؛ ففي دراسة بعنوان ‘Global Report on Teachers: Addressing teacher shortages and transforming the profession’ الصادرة عن اليونسكو عام 2024، أُشير إلى أن 44 مليون معلم إضافي مطلوب عالميًا بحلول عام 2030 لتحقيق التعليم الابتدائي والثانوي الشامل، مما يعكس أن الدول التي تستثمر في الكوادر (بما فيها الإعلاميين) تحقق تقدمًا ملموسًا في القيادة والتطور المهني عبر الإطار العالمي.

عبر معالي وزير الإعلام، سلمان الدوسري، عن طموح البرنامج بقوله: “حين نؤهل الكفاءات الوطنية في التخصصات الإعلامية المتقدمة؛ فإننا نصنع جيلًا من المحترفين القادرين على قراءة المشهد، وتحليل محتواه، وصياغة رسالته بأدوات عالمية”. كما أضاف في تغريدة له: “أطلقت مع أخي وزير التعليم برنامج ابتعاث الإعلام، لصناعة إعلام سعودي مؤثر يقود الكلمة والصورة والفكرة.. لا وقود أقوى من العقول الوطنية”.

في المقابل، أكّد معالي وزير التعليم، يوسف البنيان، على البعد الاستراتيجي للبرنامج فقال: “إطلاق ابتعاث الإعلام يعزز شراكتنا لإعداد كفاءات وطنية بقدرات مهنية عالية ومهارات نوعية في مجالات الإعلام عبر أفضل جامعات العالم، بما يدعم حضور المملكة الإعلامي عالميًا، ويواكب مستهدفات رؤية السعودية 2030 “.

لضمان أن يتحول هذا البرنامج من فرصة تعليمية إلى مسار تطور مستدام، ينبغي اتباع سرد متكامل عملي؛ فيبدأ الطلاب المرشحون للابتعاث بتحسين مهارات اللغة، وحضور ورش عمل عن الإعلام الجديد، وإجراء بحوث تحضيرية حول الجامعات والتخصصات المطلوبة، لضمان جاهزيتهم التامة قبل الالتحاق بالخارج. وعند عودتهم، يجب أن يجد هؤلاء الخريجون بيئة احترافية داعمة في المؤسسات الإعلامية داخل المملكة، عبر فرص تدريبية ومشاريع مشتركة ومراكز ابتكار إعلامي، حيث تُستثمر خبراتهم العالمية في تكوين فرق إعلامية وطنية قادرة على إنتاج محتوى معاصر وقابل للمنافسة دوليًا.

في الوقت نفسه، يتعين على الجامعات السعودية أن تدعم الابتعاث عبر الشراكات الأكاديمية والبحثية مع الجامعات المستضيفة، بحيث يصبح الابتعاث حلقة وصل بين البرامج الأكاديمية المحلية والتجربة العالمية، مع بناء برامج تكاملية مثل الدورات الصيفية المشتركة، والبحوث التطبيقية، وتبادل الأساتذة. وبهذا السرد المتداخل، يصبح البرنامج أكثر من مجرد تدريب فردي؛ بل مسار تطور مؤسسي شامل  يثري الإعلام السعودي بروح العصر، ويجعل من المبتعثين سفراء للنهج الإعلامي الوطني.

يبقى برنامج ابتعاث الإعلام أقل وقعًا إذا لم يُثر بيئة تعليمية واحترافية متكاملة بعد العودة؛ لذا من الضروري أن يحظى بدعم مؤسسي حقيقي يشمل تمكين خريجيه، واستثمار امتيازهم، وتعزيز التواصل الأكاديمي. هكذا، يمكن أن يتحول الإعلام السعودي إلى قوة معرفية ومعنوية، تلبي تطلعات المملكة وتنافس في فضاء الإعلام العالمي.