دراسة حديثة: الذكريات ليست جامدة في عقولنا

هل شعرت يومًا أن ذكرى مكانٍ تزوره باستمرار تبدو مختلفة قليلًا في كل مرة تستحضرها؟ هذا الإحساس قد لا يكون مجرد خيال، بل هو انعكاس لآلية عمل دماغك.
فقد كشفت دراسة حديثة أجريت على الفئران أن تمثيل الدماغ للأماكن “ينجرف” عبر خلايا عصبية مختلفة مع مرور الزمن، مما يتحدى فكرة سائدة منذ عقود بأن ذكرياتنا عن الأماكن ثابتة ومستقرة.
تاريخيًا، ساد الاعتقاد بين علماء الأعصاب أن الذكريات المكانية تُشفَّر بواسطة “خلايا مكانية” محددة في منطقة الحصين بالدماغ، وهي مركز الذاكرة الرئيسي. كان يُعتقد أن هذه الخلايا تعمل كخريطة ذهنية دائمة، تضيء في كل مرة ندخل فيها بيئة معينة، سواء كانت باب منزلنا أو شلالًا في مسار جبلي.
يقول دانيال دومبيك، كبير مؤلفي الدراسة وأستاذ البيولوجيا العصبية في جامعة نورث وسترن: “منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كنا نعتقد أن الذكريات المكانية تُشفَّر بواسطة خلايا عصبية محددة. استمر هذا الاعتقاد لمدة 30 أو 40 عامًا، حتى قبل حوالي عقد من الزمان”.
نقطة التحول كانت في عام 2013، عندما أظهرت دراسة مثيرة للجدل أن تمثيل الدماغ للأماكن ليس ثابتًا كما كان يُعتقد، حيث تغيرت مجموعة الخلايا العصبية النشطة بمرور الأسابيع، مما أدى لظهور مصطلح “الانجراف التمثيلي في الحصين”.
وللتحقق من أن هذا “الانجراف” ليس ناتجًا عن تغيرات طفيفة في بيئة التجربة (مثل الروائح أو الأصوات)، صمم دومبيك وفريقه دراستهم الجديدة، التي نُشرت في مجلة Nature، باستخدام الواقع الافتراضي. وُضعت الفئران على جهاز مشي محاط بشاشات يعرض متاهة افتراضية متطابقة في كل مرة، مع توحيد الرائحة عبر مخروط يضخ نفس العطر، وعزل الأصوات الخارجية باستخدام ضوضاء بيضاء.
أثناء تنقل الفئران، راقب الباحثون نشاط خلايا الحصين لديهم مباشرة. وكانت المفاجأة، كما يقول دومبيك: “كنت متأكدًا من أننا سنقلل من هذا الانجراف التمثيلي، لكن هذا ليس ما وجدناه”.
أظهرت النتائج أن مجموعة صغيرة فقط من الخلايا (حوالي 5% إلى 10%) تصرفت كـ “خلايا مكانية” تقليدية، حيث أظهرت نشاطًا ثابتًا في كل جولة. وكانت هذه الخلايا المستقرة هي الأكثر قابلية للاستثارة بشكل عام. في المقابل، كانت الخلايا الأقل استثارة أكثر عرضة للانجراف.
فلماذا يحدث هذا الانجراف؟ يقترح دومبيك أنه قد يكون آلية يستخدمها الدماغ للفصل بين التجارب شديدة التشابه كذكريات منفصلة، مما يسمح لنا بتمييز زياراتنا المتكررة لنفس المكان (مثل العمل أو الحديقة) وتتبع مرور الوقت.
ورغم أن الدراسة اقتصرت على تسجيل حوالي 1% فقط من خلايا الحصين لدى الفئران، إلا أن الباحثين يعتقدون أن هذه العملية تحدث في المنطقة بأكملها.
وإذا انطبق الأمر على البشر، فقد يفسر ذلك جزئيًا تدهور الذاكرة مع تقدم العمر، حيث تفقد خلايا الحصين قابليتها للاستثارة. ويختتم دومبيك بالتكهن: “إذا استطعنا تعديل قابلية استثارة الخلايا العصبية لدينا، فربما نتمكن من الحفاظ على الذاكرة”.