ترمب وبوتين: الانتقال من الصداقة إلى الفتور المتعمد

من واشنطن: الباحث السياسي والإعلامي عمرو جوهر
من التطورات المثيرة للدهشة منذ عودته دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 هو الفتور الواضح في علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الزعيم الذي وصفه ترمب ذات مرة بأنه “ذكي جدًا” و”قوي”.
في حين تبادل الزعيمان الإعجاب المتبادل خلال ولاية ترمب الأولى، إلا أن واقع اوكرانيا المتغير والمصالح المتضاربة تُفاقم الآن التوتر في العلاقات بين واشنطن وموسكو.
تُعدّ الحرب الدائرة في أوكرانيا أبرز نقاط الخلاف، فخلال حملته الانتخابية عام 2024، وعد ترمب بالتوسط لإحلال السلام في غضون 24 ساعة في حال إعادة انتخابه، لكن بعد ستة أشهر من رئاسته، لا تزال الحرب مستمرة، ولا يزال السلام بعيد المنال.
دفع ترمب أوكرانيا لقبول الخسائر الإقليمية مقابل السلام، لكن الرئيس زيلينسكي قاوم هذا الضغط. في غضون ذلك، يرفض بوتين التراجع عسكريًا، مُصرًا على السيطرة الكاملة على شرق أوكرانيا ومناطق البحر الأسود الرئيسية.
أثار عجز ترمب عن التوصل إلى اتفاق سريع إحباطًا لدى كلا الجانبين، فيرى بوتين سعي ترمب للتوصل إلى تسوية دبلوماسية ضعفًا، بينما يُقال إن ترمب منزعج من عدم موافقة بوتين على تحقيق نصر سياسي.
خلال غياب ترمب عن منصبه، بعد فوز بايدين، عزز بوتين العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية لروسيا مع الصين وتحالف البريكس، ويُهدد هذا التحول النفوذ الأمريكي العالمي وهو أمر تعهد ترمب بحمايته في إطار أجندته “أمريكا أولاً”.
انتقدت إدارة ترمب بشدة جهود مجموعة البريكس لتقويض الدولار الأمريكي والمؤسسات المالية العالمية، حيث يُقال إنه ينظر إلى دور روسيا في هذه التحركات على أنه تحدٍّ مباشر للقوة الأمريكية، مما يستدعي فرض عقوبات اقتصادية جديدة وردود فعل تجارية انتقامية.
في المقابل، يرى بوتين أن سياسات ترمب في ولايته الثانية أكثر تصادمية مما كان متوقعًا، وتتماشى بشكل متزايد مع سياسة الاحتواء على غرار الحرب الباردة بدلًا من الشراكة.
النتيجة هي توتر متزايد بين البلدين في الشرق الأوسط، حيث تتعارض أهدافهما العسكرية والسياسية الآن بشكل علني.
كلا الزعيمين، لديهما صورتان سياسيتان عامتان مُدارتان بعناية، ويواجه ترمب تحديات داخلية متعددة، منها معارك قانونية، وضغوط اقتصادية، وأصبح اعتباره “قريبًا جدًا” من بوتين محفوفًا بالمخاطر السياسية، حتى بالنسبة لقاعدة ترمب الجمهورية.
في هذه الأثناء، يغازل بوتين جمهورًا محليًا ينظر بشكل متزايد إلى الولايات المتحدة كخصم معادٍ، قد يُضعف التقارب العلني مع ترمب خطابه القومي، ونتيجة لذلك، ينأى كلا الزعيمين بنفسه، ظاهريًا على الأقل.
أحدثت عودة ترمب اهتزازًا في التوازن العالمي بعد بايدنن، فبينما يريد ترمب تقليص إنفاق حلف شمال الأطلسي (الناتو) وإعادة تأكيد استقلال الولايات المتحدة، طالب أوروبا في الوقت نفسه باتخاذ موقف أكثر صرامة ضد روسيا، وهو تناقض يُحبط بوتين.
لم تعد عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب ميزة لموسكو، بل جعلت بوتين، غير مستعد للتنازل، حتى وإن كانت نبرته أقل حدة من عهد بايدن.