من يحدد هوية الجيل المقبل؟ الطفل في مواجهة الخصوصية وشهرة وسائل التواصل الاجتماعي

من يحدد هوية الجيل المقبل؟ الطفل في مواجهة الخصوصية وشهرة وسائل التواصل الاجتماعي

حمد آل كليب – الوئام

في زمن التحول الرقمي المتسارع، يبدأ الأطفال رحلتهم الافتراضية قبل أن ينطقوا بكلماتهم الأولى، حيث تُشارك صورهم ومقاطعهم على منصات التواصل الاجتماعي، ليصبحوا جزءًا من عالم رقمي لا يدركون أبعاده. هذا الوجود الرقمي يثير تساؤلات عميقة حول تأثيراته النفسية والاجتماعية على الأطفال، وكيف تتشكل هويتهم في ظل هيمنة الظهور الافتراضي على حساب الجوهر.

الهوية الرقمية للطفل: تعريف وأهميه .

هي البصمة التي يتركها في الفضاء الافتراضي عبر الصور، الفيديوهات، البيانات الشخصية، أو التفاعلات التي ينشرها الأهل أو المؤثرون نيابةً عنه. هذه الهوية تُشكّل انطباعًا دائمًا قد يؤثر على ثقته بنفسه و علاقاته،
وتحمل مخاطر كالتنمر الإلكتروني، انتهاك الخصوصية، أو استغلال البيانات تجاريًا، مما يجعل حمايتها مسؤولية أخلاقية ملحة في عالم يصعب محو أرشيفه الرقمي.

الهوية الواقعية مقابل الرقمية .

الواقعية ؛ تعكس وعي الطفل بذاته وسلوكه في الحياة اليومية،
بينما الرقمية هي الصورة التي تُصنع له على الإنترنت، وقد تكون مشوهة. الخطر يكمن عندما تطغى الهوية الرقمية على الواقعية، فيبدأ الطفل بتصديق ما يُقال عنه على الشاشة أكثر مما يشعر به داخله.

تحويل الطفل إلى “محتوى”

ظاهرة “المحتوى العائلي” حوّلت الأطفال إلى أدوات لجذب المشاهدات، حيث يوثق الأهل حياتهم اليومية للجمهور. هذا الظهور المستمر قد يُشكل ضغطًا نفسيًا، إذ يربط الطفل قيمته بتفاعل المتابعين، مما يؤثر على هويته الحقيقية ويزرع تصورات مشوهة عن النجاح. بعض الأطفال يُدرَّبون على التصنع أمام الكاميرا، فيفقدون تلقائيتهم وبراءتهم، وقد يشعرون بالاستغلال عندما يكبرون ويعيدون النظر في المحتوى المنشور دون موافقتهم.

الطفل كمشروع تجاري .

الأخطر هو تحويل الطفل إلى مصدر ربح، حيث يصبح المنزل استوديو تصوير والطفل “منتجًا رقميًا”. هذا قد يزرع فكرة أن قيمته تُقاس بعدد الإعجابات، مما يهدد خصوصيته ونموه النفسي.

التوازن والحماية .

لضمان نمو سليم، يجب تحقيق توازن بين الظهور الرقمي وحماية الطفل عبر التوعية بقيمة الخصوصية، تقييد الظهور العام، وتجنب تحويله إلى محتوى ربحي. الأسرة، الإعلام، المؤثرون، والجهات التربوية مطالبون بتعزيز وعي رقمي يحترم خصوصية الطفل ويحمي هويته.

ختامًا .

الهوية الرقمية للطفل هي ملامح إنسان في طور التكوين. واجبنا – أسرة، إعلام، ومجتمع – حماية طفولتهم من ضغوط المنصات، ليكبروا واثقين بهويتهم الحقيقية بعيدًا عن أضواء الشهرة الزائفة.