ترمب يتوعد وبوتين ينقض: صراع الإرادات في أوكرانيا

ترمب يتوعد وبوتين ينقض: صراع الإرادات في أوكرانيا

بينما تتسع رقعة الدمار في أوكرانيا، يتواصل تصعيد الحرب الكلامية بين الغرب وروسيا. هدد الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، مؤخرًا بفرض عقوبات ثانوية قد تطيح بالاقتصاد الروسي خلال خمسين يومًا إذا لم تتوقف الحرب.

لكن المفارقة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يظهر أي بوادر قلق، ويواصل قصفه المكثف للأراضي الأوكرانية، وكأن التهديدات لا تعنيه، مستندًا إلى قراءة خاصة لموازين القوة وحدود التفاعل الغربي المحتمل مع تصعيده.

تهديدات ترمب

وفق ما نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية، هدد ترمب الأسبوع الماضي بتدمير الاقتصاد الروسي في حال لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال خمسين يومًا. جاء ذلك بعد فشل 18 حزمة عقوبات أوروبية سابقة في إحداث أثر اقتصادي حقيقي على آلة الحرب الروسية، وسط استمرار تدفق الأموال الأوروبية إلى موسكو عبر واردات الغاز المسال.

وفي حال مضى ترمب قدمًا في فرض عقوبات ثانوية على مستوردي النفط والغاز واليورانيوم الروسيين، وهي قائمة تشمل الصين والهند والاتحاد الأوروبي، فإن الكرملين قد يجد نفسه في مأزق اقتصادي حاد. ومع ذلك، لا يبدو أن بوتين يأخذ التهديدات على محمل الجد.

تصعيد ميداني

في مؤشر على ازدرائه للتحذيرات الأمريكية شنّت روسيا هجمات جوية مكثفة ليلة الاثنين، إذ أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن أكثر من 420 طائرة مسيرة و20 صاروخًا، بينها صواريخ باليستية، استهدفت مدنًا أوكرانية.

وعلى الرغم من تأييد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي لخطة ترامب، وتعهد لندن بدعم تنفيذها، فإن بوتين لم يعلّق على التهديدات، ولم تحظَ بأي اهتمام يُذكر في الإعلام الروسي الخاضع للدولة.

الأسواق المالية لا تتحرك

رغم خطورة التهديد بفرض حرب تجارية عالمية، إلا أن أسواق المال لم تُبدِ أي ردة فعل تذكر. فتهديد ترمب بمنع تصدير 5 ملايين برميل نفط يوميًا من روسيا لم يحرّك أسعار النفط قيد أنملة.

ويرى مراقبون أن تجاهل الأسواق لتصريحات ترمب يؤكد قناعة المستثمرين بأن هذه التصريحات لا تتعدى كونها أدوات انتخابية لا ترجمة فعلية لها، ما يمنح بوتين مساحة أوسع للمراوغة.

بوتين لا يخشى ترمب

يعتمد بوتين على ثلاثة عوامل تجعل تهديدات ترمب، في نظره، عديمة الجدوى. أولها أن ترمب لم ينفذ معظم العقوبات التي وعد بها مؤخرًا، مثل فرض رسوم جمركية على مستوردي النفط الفنزويلي في مارس الماضي.

العامل الثاني هو أن تنفيذ عقوبات شاملة ضد شركاء روسيا سيُضر بالاقتصاد الأمريكي ذاته، ويضرب العلاقات مع دول كبرى مثل الهند والصين. أما العامل الثالث، فهو احتمال حدوث صدمة نفطية عالمية شبيهة بأزمة 1973 إذا تم إخراج روسيا من السوق، وهو سيناريو لن تتحمله واشنطن أو أوروبا سياسيًا أو اقتصاديًا.

الاقتصاد الروسي في مأزق

لكن هذا لا يعني أن الاقتصاد الروسي في حالة جيدة. يقول ألكسندر كولياندر من مركز تحليل السياسات الأوروبية إن الطفرة الاقتصادية التي دعمتها النفقات العسكرية خلال أول عامين من الحرب بدأت بالتراجع، مع توقعات بانخفاض معدل النمو إلى 1.4% فقط عام 2025.

وبالتزامن مع ذلك، تواجه روسيا عجزًا ماليًا بنسبة 1.5% من الناتج المحلي، وتراجعًا في أسعار النفط بنسبة 35%، ما اضطر البنك المركزي الروسي إلى طباعة 15 تريليون روبل، في أكبر عملية إصدار نقدي منذ انهيار التسعينيات، ما ينبئ بأزمة تضخم وشيكة.

الرفاهية الروسية مستمرة

ورغم الصعوبات الاقتصادية، لا يزال الروس يشترون سيارات فاخرة أكثر من الألمان أنفسهم. فقد بيعت أكثر من 3,500 سيارة BMW X7 في روسيا خلال 2024، مقارنة بـ 3,323 في ألمانيا، رغم ارتفاع أسعارها إلى الضعف بسبب التحايل على العقوبات عبر دول الجوار السوفييتي السابق.

ورغم انزعاج الروس من تأخر الرحلات والتهديدات الأمنية الناتجة عن الطائرات المسيّرة، إلا أن هذه المعاناة لا تُقارن بمأساة المدنيين الأوكرانيين الذين يتعرضون للقصف شبه اليومي.

سلام هش مرفوض

في الربيع، ضغط ترمب على زيلينسكي للتنازل عن خطوطه الحمراء في سبيل هدنة تتيح لبوتين الاحتفاظ بـ22% من الأراضي الأوكرانية التي يحتلها. لكن الرئيس الروسي رفض العرض، مصرًا على تغيير النظام في كييف ومنع انضمام أوكرانيا إلى الناتو.

تراجع الدعم الشعبي للحرب

في الداخل الروسي، بدأت مؤشرات تراجع الدعم الشعبي للحرب بالظهور. وقد أظهر استطلاع لمركز “ليفادا” أن 64% من الروس يؤيدون التفاوض لإنهاء الحرب، بزيادة 6 نقاط منذ مارس، بينما تراجعت نسبة المؤيدين لاستمرار الحرب إلى 28%.

في نهاية المطاف، يبدو أن بوتين يراهن على التناقضات الغربية وعلى محدودية قدرة ترمب على تنفيذ تهديداته دون تكبد خسائر اقتصادية وسياسية فادحة. وبينما تتفاقم معاناة الأوكرانيين وتتشابك خيوط المعادلة الجيوسياسية، تتواصل الحرب التي غيّرت ملامح العالم، وسط غموض يكتنف مستقبل موازين القوة والنفوذ.