دبلوماسية الإخلاص: عندما يصبح الصدق تعبيرًا رفيعًا

الدكتور محمد حسين سمير – أستاذ الإدارة بجامعة لندن وخبير التغيير والتطوير المؤسسي
في عالم تتسارع فيه المهام وتتشابك فيه العلاقات المهنية، لا يكفي أن تكون صادقًا، بل لا بد أن تكون صادقًا بحكمة؛ فالصدق الخالص غير المصفّى، حين يُقال بلا مواربة أو حسّ إنساني، قد يُفهم على أنه تهور أو صلف، وهنا تظهر الحاجة إلى ما يُعرف بـ”دبلوماسية التواصل”، أو كما أحب أن أسميها: الدبلوماسية الصادقة.
ما هي الدبلوماسية الصادقة؟
الدبلوماسية ليست الكذب، بل هي فن قول الحقيقة بطريقة لا تجرح، ولا تُشعل الصراعات، وتحافظ على العلاقات والمصالح، وهي إدارة للكلمات والمواقف والتوقيت، وليست تضليلاً أو خديعة.. قال برنارد شو: “الدبلوماسي هو من يقول لك أن تذهب إلى الجحيم بطريقة تجعلك تتطلع إلى الرحلة!”.
والدبلوماسية الصادقة لا تُخفي الحقيقة، لكنها تغلفها بلغة راقية، تُراعي المشاعر والمواقف، وتحمي ما هو أهم من مجرد “القول”، وهو النية والنتائج.
وقد تتجنب قول “كل الحقيقة” مؤقتا إذا كان قولها سيسبب ضررًا، لكنها لا تخترع أكاذيب، وهي وعيٌ بأن الحقيقة يمكن أن تكون دواءً أو سيفًا، بحسب طريقة تقديمها.
في بيئة العمل: الكلمة تبني أو تهدم، الموظف قد ينسى تقريرًا أو مهمة، لكنه لا ينسى أبدًا نبرة قاسية أو جملة مهينة.
الزميل قد يختلف معك فكريًا، لكنه سيقدّر أنك احترمت رأيه عند الاعتراض.
القائد قد يضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة، لكن طريقة إبلاغ القرار قد تصنع الفارق بين الولاء والاستياء.
فكّر في الفرق بين من يقول لزميله: “أداءك ضعيف جدًا، وأنت عبء على الفريق” ومن يقول: “أعتقد أننا نستطيع معًا تطوير بعض الجوانب لتصل إلى كامل إمكانياتك، وأثق أنك قادر على ذلك”.
الرسالة واحدة في جوهرها، لكن الطريقة في التعبير تصنع الفرق بين الهدم والبناء.
خدعوك فقالوا الدبلوماسية هي النفاق، ويُخطئ من يظن أن الدبلوماسية تعني المجاملة الزائفة أو الكذب الأبيض. الحقيقة أن الدبلوماسية الصادقة هي أعلى درجات الصدق، لأنها تُمارس بمسؤولية وذكاء. هي الصدق الذي يعرف متى يُقال، وكيف يُقال، ولمن يُقال.
وفي الحقيقة، الفرق بين الصدق الجارح والصدق الناضج هو ما يميز الموظف المحترف من المتهور، والقائد الحقيقي من المتسلط؛ فالدبلوماسية الصادقة ليست ضعفًا، بل هي أقوى أشكال الذكاء الاجتماعي والعاطفي.