كيف تطورت رؤيتي للعالم؟

كيف تطورت رؤيتي للعالم؟

د. سعود النداح

مستشار اجتماعي

في البداية كنت أظن أن العالم بسيطًا وقابلًا للتصنيف. الناس إما طيبون أو سيئون، القرارات إما صائبة أو خاطئة والعلاقات إما نجاة أو غرق. كنت أظن أن كثرة القراءة تقود إلى الحقيقة، لكنني كلما تعمقت وجدت أن الحقيقة تبتعد كلما ظننت أنني اقتربت منها.

بدأ التغيير حين رأيت الناس خارج أدوارهم.

الطبيب المنهك الذي يبتسم للجميع ويختنق وحده، المدير الواثق الذي يخفي وحدته بصخب الاجتماعات، الأم التي تصرخ من خوفها لا من غضبها. رأيت هشاشة خلف الصرامة، وندماً خلف الغرور وحنيناً خلف القسوة.

عندها أدركت أن المظاهر دائماً تخدعنا، وأن العمق لا يُرى من النظرة الأولى.

كنت أظن أن الثبات هو القوة، حتى فهمت أن أقوى الناس هم من يسمحون لأنفسهم بالتغيّر، فالذين أعادوا تشكيل أفكارهم بعد أن تكسّرت واستبدلوا قناعات قديمة حين اكتشفوا ما هو أنضج وأصدق.

أن تقول “كنت مخطئًا، وتعلمت”، هذا موقف لا يقدر عليه إلا من تحرر من وهم الكمال.

حتى مفهوم النجاح تبدّل. كنت أراه في الأضواء والتصفيق، حتى رأيت من نالوا كل ذلك لكنهم لا يعرفون النوم. رأيت من وصلوا، لكنهم أضاعوا أنفسهم في الطريق. عرفت أن النجاح ليس ما يُقال عنك، بل ما تقوله داخلك حين ترافقك السكينة.

ثم كانت الحقيقة الأكبر التي ادركتها قريبًا أن كثيرًا من “الحقائق” التي نشأنا عليها ما هي إلا انعكاسات لتجارب مؤلمة لا أحكام حقيقية. من قال “لا تثق بأحد” خُذل. ومن قال “الحياة صعبة” عجز عن رؤيتها ببساطة. حين بدأت أفكر بهذه الطريقة كأنني خلعت نظارة قديمة كنت أرى بها كل شيء مشوشًا.

تغير داخلي شيئًا فشيئًا. فأصبحت الإجابات الجاهزة لا ترويني وبدأت أنجذب للأسئلة التي تحرك داخلي شيئًا حقيقيًا.

المثالية لم تعد تغريني كما كانت وأصبحت أقدّر لحظات الهدوء والوضوح أكثر من السعي للكمال. نظرتي للناس اختلفت، لم أعد أحاكمهم بمعايير قاسية، اصبحت أتقبلهم كما هم، أختار القرب ممن يضيف لحضوري معنى، وأترك المسافة حين يستدعي الأمر، بسلام ووعي ورضا.

وهكذا حين تغيّرت فكرتي عن العالم ثم تغيرت أنا.