من الأمل إلى الفوضى: مصير بريكس بين التوسع والتحديات.

من الأمل إلى الفوضى: مصير بريكس بين التوسع والتحديات.

في ظلّ تراجع الثقة بالأنظمة الغربية التقليدية، ظهرت مجموعة البريكس (BRICS) كأمل بديل لعالمٍ متعدد الأقطاب. لكنها اليوم، بعد سنوات من الزخم، تواجه تحديات وجودية قد تضعها على مسار التفكك بدل الريادة.

وبدلًا من أن تتحول البريكس إلى كتلة موحدة تقود إصلاح النظام الدولي، تعاني المجموعة من تضخم عضويتها وتصدعات داخلية تهدد فاعليتها وقدرتها على التأثير.

البريكس.. تجمع سياسي غير متماسك

تعود جذور مجموعة البريكس إلى عام 2001، حين استخدم بنك “جولدمان ساكس” المصطلح للإشارة إلى أربع اقتصادات ناشئة بارزة: البرازيل، روسيا، الهند، والصين. ولم يكن الهدف آنذاك إنشاء تحالف سياسي، بل لفت الانتباه إلى الدور المتصاعد لهذه الدول في الاقتصاد العالمي. غير أن هذا التصور تطوّر تدريجيًا، ومع انضمام جنوب أفريقيا عام 2010، بدأت المجموعة تتبلور سياسيًا، لتتحول من توصيف اقتصادي إلى كيان متعدد الأطراف يعقد قممًا سنوية ويطرح أجندات مشتركة.

ومع مرور الوقت، حاولت البريكس أن تقدم نفسها كبديل لمجموعة السبع (G7)، ورافعة لرؤية عالمية جديدة للتنمية والنظام الدولي. لكن رغم مساعيها المتكررة، ظلّت تعاني من غياب رؤية موحّدة وأهداف واضحة، خاصة في ظلّ التباين الكبير بين أنظمتها السياسية، ما جعل التنسيق بينها أمرًا معقّدًا ومحدود الفاعلية، وفق ما نشره موقع World Politics Review الأمريكي.

مرحلة التوسع

في عامي 2023 و2024، شهدت مجموعة البريكس توسعًا سريعًا بانضمام خمس دول جديدة: مصر، إثيوبيا، إندونيسيا، إيران، والإمارات العربية المتحدة، كما مُنحت عشر دول أخرى صفة “شريك”، ما يتيح لها المشاركة شبه الكاملة في فعاليات المجموعة. ورغم أن هذا التوسع منح البريكس حضورًا جغرافيًا أوسع، إلا أنه جاء على حساب التماسك والانسجام بين أعضائها.

وعلى الرغم من أن أكثر من 40 دولة أبدت رغبتها في الانضمام، فإن التوسع العددي السريع أضعف تركيز المجموعة وتماسكها الداخلي. وقد تحولت القمة الأخيرة، التي عُقدت في البرازيل، إلى مناسبة باهتة، غاب عنها عدد من أبرز القادة، من بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ، وهما من القادة المؤسسين، إضافة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهما من القادة الجدد المنضمين حديثًا إلى المجموعة.

الانقسامات الداخلية.. عقبة أمام التقدم الجماعي

تفكك الحضور في قمة يوليو 2025 يعكس تصدعًا داخليًا عميقًا. بعض الغيابات كانت مفهومة، مثل غياب بوتين الخاضع لمذكرة توقيف دولية، أو انشغال شي بعد زيارته الأخيرة للبرازيل. لكن الأهم هو غياب التوافق السياسي داخل المجموعة، وغياب الحافز للمشاركة.

منذ بدايتها، واجهت البريكس تحديات في التوفيق بين الأنظمة، ومع التوسع باتت الخلافات الجيوسياسية أكثر وضوحًا. فمثلًا، التوترات المستمرة بين الهند والصين تُضعف التفاهم، وتُفرغ الاجتماعات من مضمونها لصالح أجندات وطنية متعارضة.

عودة ترامب.. التحدي الأكبر

البيئة الدولية تغيّرت مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فالرئيس الأمريكي ينظر إلى البريكس كتهديد مباشر لمكانة الدولار، ووصف أي محاولة لبناء بديل مالي بأنها “خسارة حرب”. وهو لا يتردد في التهديد بعقوبات جمركية تصل إلى 100% ضد الدول التي تدعم مشاريع البريكس المالية البديلة.

وبالفعل، فرض ترامب مؤخرًا رسومًا جمركية بنسبة 50% على صادرات البرازيل، في خطوة تمثل مزيجًا بين الاعتبارات الاقتصادية والتحالفات السياسية، خصوصًا دعمه للرئيس السابق بولسونارو.

إنقاذ البريكس

من بين المقترحات المطروحة لإنقاذ البريكس تشكيل “مجلس دائم” يضم الأعضاء المؤسسين فقط (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا)، ليكون بمثابة نواة صلبة قادرة على اتخاذ قرارات فعالة، بعيدًا عن الفوضى التوسعية. لكن المفارقة أن هذا النموذج يُشبه “مجلس الأمن” الذي طالما انتقدته البرازيل والهند.

تبدو الحاجة اليوم ملحّة لأن تحدد البريكس أولوياتها وتقلص طموحاتها التوسعية. فالعودة إلى النواة الصلبة قد تُعيد لها الفاعلية التي فقدتها، وإن كانت على حساب شعار “التمثيل العادل”.

لم يعد كافيًا أن تكون البريكس مجرد مظلة لدول غير غربية تسعى لتوازن عالمي. فإما أن تعود إلى نقطة التوازن بين الحجم والفاعلية، أو أن تصبح ضحية طموحها الزائد، وتتحول من بديل واعد إلى منتدى هامشي يعاني من انقسامات وصراعات داخلية لا تنتهي.