العالم تحت سيطرة ترامب: قادة الأمن يقرون بتفكك النظام الدولي التقليدي

العالم تحت سيطرة ترامب: قادة الأمن يقرون بتفكك النظام الدولي التقليدي

بعد ستة أشهر فقط على بدء الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أقرّ كبار صناع السياسة والخبراء الأمنيين خلال منتدى آسبن السنوي بأن ملامح النظام العالمي القديم باتت من الماضي، وأن التغيير الذي أحدثه ترامب سيكون عميقًا وممتد الأثر لعقود قادمة.

في أجواء منتجع آسبن ميادوز الخلابة، اعترف المسؤولون الأميركيون والدوليون، الحاليون والسابقون، إضافة إلى قادة في قطاع الأعمال ومحللين، بأن إدارة ترامب قد وجهت ضربة قاضية للتوافق الدولي الذي ساد ما بعد الحرب العالمية الثانية بشأن التجارة الحرة والتحالفات طويلة الأمد.

وقالت وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس، خلال الجلسة الختامية: «علينا أن ندرك أننا على الأرجح لن نعود إلى النظام السابق». رايس التي ترأس بالاشتراك مجموعة آسبن الاستراتيجية، أوضحت أن ما يجري ليس مجرد تعديلات سياسية، بل تحول بنيوي في فلسفة واشنطن الخارجية.

فعلى مدى أشهر قليلة، أعادت إدارة ترامب تشكيل قواعد اللعبة: إلغاء مؤسسات كبرى مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، تقليص أعداد موظفي الاستخبارات والدبلوماسية، وإعادة هيكلة شاملة في وزارتي الدفاع والخارجية. وكل ذلك – بحسب الإدارة – يهدف إلى «تركيز الجهود على المصالح الأميركية أولًا».

لكن منتقدين حذروا من أن هذه الخطوات تضعف قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع الأزمات، وتفقدها ثقة الحلفاء، وتفتح الباب لفوضى اقتصادية عالمية.

وفي مؤشر على توتر العلاقة بين البيت الأبيض والنخب الأمنية، انسحب البنتاغون من المشاركة بالمنتدى قبل انطلاقه واصفًا إياه بـ«وكر العولميين»، ولم يحضر من الإدارة سوى مبعوث ترامب لشؤون الرهائن، آدم بوهلر.

وفي حديثه أمام الحضور، شدد بوهلر على أن دعم ترامب له «يعطيه القوة» لاتخاذ قرارات جريئة، مثل التدخل لتحرير أميركيين محتجزين في إيران. لكنه كان استثناءً في مؤتمر بدا أن الحضور فيه يتفادون الاصطدام مع الإدارة.

إشادة حذرة… ومعارضة مكتومة

ورغم الانتقادات، لم يخلُ المنتدى من إشادات ببعض تحركات ترامب، خاصة دعمه الأخير لأوكرانيا، والضربات الجوية على منشآت نووية إيرانية، التي رأى البعض أنها أضعفت القدرات الإيرانية.

كما أبدى البعض تفهّمًا لإعادة هيكلة المؤسسات، مع الاعتراف بوجود «بيروقراطية ثقيلة» داخل الخارجية وUSAID، لكنهم حذروا من أن ما يجري ليس إصلاحًا بل «تفكيكًا» عشوائيًا.

وفي جلسة مخصصة للمساعدات الخارجية، اتفق المتحدثون على أن سعي إدارة ترامب للوصول إلى المعادن الحيوية في منطقة البحيرات العظمى الإفريقية قد يمثل فرصة جديدة لبناء شراكات بديلة لتلك التي تسعى إليها الصين.

الحمائية تعيد تشكيل المشهد

على المستوى الاقتصادي، لاحظ الحضور أن الخطاب الحمائي بات يتجاوز الحزب الجمهوري، إذ قال روبرت زوليك، الممثل التجاري الأميركي الأسبق: «من المثير أن نرى رئيسين من حزبين مختلفين يتبنيان توجهًا حمائيًا. هذا تحول جوهري في سياسة التجارة».

لكن البعض رأى في المنتدى أنه تم تفويت فرصة لبحث التأثيرات العميقة لترامب على المؤسسات الديمقراطية داخل أميركا وخارجها، وسط إحباط عام من تقاعس الكونغرس في تمرير الموازنات اللازمة للابتكار الدفاعي وتحديث العقود.

الصين في صدارة التهديدات

التهديد الصيني في منطقة الإندو-باسيفيك ظل حاضرًا في معظم الجلسات، وسط تحذيرات من تصاعد خطر نشوب نزاع مفتوح مع بكين بسبب تايوان أو غيرها من نقاط التوتر.

في المقابل، دافع مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن، جيك سوليفان، عن رؤية مغايرة، وقال إن الأميركيين لا يؤيدون بالضرورة الانعزالية، بل لا يزالون مؤمنين بـ«الانخراط المبدئي» في العالم.

مرحلة انتقالية محفوفة بالمخاطر

وحذّر وزير خارجية سنغافورة، فيفيان بالاكرشنان، من أن العالم يعيش حاليًا «مرحلة انتقالية خطيرة» بين نظام دولي ينهار وآخر لم يتشكل بعد، مضيفًا: «كل من يدرس التاريخ يدرك أن أخطر الفترات هي تلك التي تقع بين نظامين عالميين».