تحالف الردع في المحيط الهادئ: تدريبات قتالية للحد من طموحات الصين العسكرية

الوئام_ خاص
بينما تتصاعد نبرة التهديد الصيني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تأتي مناورات “تاليزمان سابر” لتجسّد تحوّلًا واضحًا في استراتيجية الردع الإقليمي.
الولايات المتحدة، ومعها 18 من حلفائها، تُظهر بوضوح جاهزيتها للتحرك العسكري المشترك في وجه أي اعتداء صيني، خصوصًا تجاه تايوان أو بحر الصين الجنوبي. وفي ظل الصراع الجيوسياسي المتصاعد، لم تعد التحالفات العسكرية خيارًا، بل ضرورة وجودية لحفظ التوازن الإقليمي.
إطلاق النيران في شمال أستراليا
في منطقة روكهامبتون الشمالية بأستراليا، انطلقت أكبر نسخة حتى الآن من مناورات “تاليزمان سابر”، بإطلاق مكثّف للمدفعيات، وقاذفات الصواريخ، ومدافع الهاوتزر ذاتية الحركة.
التمرين، الذي يُقام كل عامين، يشمل تدريبات مشتركة بين قوات أمريكية و19 دولة حليفة، في رسالة واضحة إلى الصين مفادها أن الحلفاء مستعدون للرد على أي استفزازات عسكرية.
الجنرال الأمريكي جي. بي. فاول، نائب قائد الجيش الأمريكي في المحيط الهادئ، قال: “إرادتنا في التدريب والقتال ليست ادعاءً”، وذلك بعد مشاهدته إصابات مباشرة لأهداف معادية افتراضية.
الصين، التي تدّعي السيادة على معظم بحر الصين الجنوبي وتايوان، تجد نفسها في مواجهة تحالف يزداد تماسكًا عسكريًا واستراتيجيًا.
40 ألف جندي من 19 دولة
تُعد مناورات 2025 النسخة الـ11 والأضخم حتى الآن، بمشاركة 40 ألف عنصر من دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين والهند، إضافة إلى شركاء أوروبيين.
هذه التدريبات أصبحت عنصرًا محوريًا في استراتيجية الردع الأمريكية، خصوصًا في ضوء تصاعد التهديدات الصينية لتايوان.
وكما هو معتاد، يُتوقع أن ترسل بكين سفن تجسس لمراقبة التمرين، في وقت تحذّر فيه الصين من أن هذه المناورات تمثل “استفزازًا يهدد الاستقرار الإقليمي”.
لكن تصريحات نائب الأدميرال الأسترالي جاستن جونز أكدت أن الحلفاء يسعون إلى “استقرار، ومحيط حر ومنفتح، والالتزام بالقانون الدولي”.
المجال البحري والجوي
شهد اليوم الأول مشاركة طائرات F-35 الأمريكية، ومدافع كورية جنوبية ذاتية الدفع، إلى جانب نظام صواريخ أرض–جو ياباني.
كما أطلقت قاذفات الصواريخ المتنقلة (HIMARS) من الولايات المتحدة وسنغافورة وأستراليا – وللمرة الأولى بشكل مشترك – في محاكاة لهجمات سريعة ودقيقة ضد أهداف بحرية.
التدريب يشمل اختبار منظومة “تايفون” الأمريكية المتطورة، وهي المرة الأولى التي يتم إطلاقها غرب خط التاريخ الدولي، ما يشكّل تحوّلًا في قدرات الردع الأمريكية تجاه الصين.
كذلك، يجري اختبار الطائرات المسيّرة في البر والبحر، وعمليات إنزال برمائي، ومناورات جوية وبحرية معقدة.
بابوا غينيا الجديدة
في سابقة من نوعها، تشمل المناورات هذا العام تدريبات في بابوا غينيا الجديدة، الدولة ذات الأهمية الاستراتيجية شمال أستراليا، والتي وقّعت اتفاقية أمنية مع واشنطن في عام 2023.
كما تستمر أستراليا في تعزيز قدراتها الهجومية طويلة المدى من شمال البلاد، بدعم من البنية التحتية الأمريكية.
أستراليا قاعدة خلفية لتوازن القوى
استراتيجية الولايات المتحدة في المحيط الهادئ باتت تعتمد على توزيع قواتها بشكل أكثر مرونة، وتفعيل الشراكات مع دول مثل أستراليا لتكون بمثابة قاعدة دعم لوجستي خلفي في حال نشوب صراع.
تصريحات القادة العسكريين تشير إلى أهمية التفكير في حلفاء قادرين على تقديم الدعم السريع والمباشر.
الدعم الطبي والتحالف اللوجستي
المناورات لم تقتصر على القوة النارية، بل شملت كذلك التنسيق الطبي بين الجيش الأمريكي ونظيره الأسترالي.
اللواء إدوارد دارين كوكس، قائد القيادة الطبية في المحيط الهادئ، شدد على ضرورة التعاون في دعم المصابين ميدانيًا، قائلًا: “المعركة المقبلة لن تُشبه معارك الأمس”.
ورغم هذا الحشد العسكري، لا تغيب السياسة عن المشهد؛ إذ يزور رئيس الوزراء الأسترالي الصين هذا الأسبوع لتحسين العلاقات.
في الوقت ذاته، يناقش الكونغرس الأمريكي صفقة بيع غواصات نووية لأستراليا، مما يعكس تعقيد العلاقة بين الحشد العسكري والتوازن الدبلوماسي.
حرب محتملة؟
يُثار جدل متزايد حول مدى التزام دول مثل أستراليا واليابان بالوقوف إلى جانب الولايات المتحدة إذا ما قررت الدفاع عن تايوان في مواجهة أي هجوم صيني.
وقد حرص وزير الصناعة الدفاعية الأسترالي، بات كونروي، على تفادي أي تصريح واضح، مؤكدًا أن بلاده “لا تعلّق على الافتراضات”، في موقف يعكس حساسية الملف وتعقيد الحسابات الاستراتيجية لدى الحلفاء.
الصواريخ البرية
كما أكد المحلل العسكري ميك رايان، فإن الصراع المستقبلي لن يكون بحريًا فقط: “المحيط الهادئ ليس فقط مياهًا زرقاء وسفنًا. الجيوش التي تمتلك صواريخ طويلة المدى لها دور أيضًا”.
ما يعني أن قوة الردع لم تعد حكرًا على الأساطيل، بل باتت تعتمد أيضًا على منصات برية مرنة وقاتلة.