حلاوة الإنجاز: السعادة التي لا يمكن شراؤها

نهر عبد الوهاب حريري
محاضر بقسم الصحافة الرقميةPNU
باحثة دكتوراة KSU
في عالمٍ يتسابق فيه الناس إلى المظاهر اللامعة، ويتهافتون على الصور السريعة للسعادة، كثيرًا ما نغفل عن إحدى أعمق وأصدق اللذّات التي يعرفها الإنسان: لذّة الإنجاز.
هذه اللذّة ليست مجرّد لحظة احتفال بعد بلوغ هدف، ولا هي محطة يتوقف عندها السعي. بل هي شعور داخلي يجمع بين الرضا، والإشباع النفسي، والإحساس بالمعنى. إنها تلك اللحظة التي يهمس فيها الإنسان لنفسه: “لقد فعلتُها… رغم الصعوبات، رغم الشكوك، رغم كل ما كان يدفعني للتراجع.”
الإنجاز، في جوهره، ليس فقط نتاج عملٍ متقن، بل هو تجسيد للقدرة الإنسانية على مقاومة التراخي، والانتصار على الذات المترددة. كل مرة يُنجز فيها الإنسان أمرًا ذا قيمة، يشعر بأنه يخطّ أثرًا في مسار الحياة، وكأن الزمن قد توقّف ليُسجّل حضوره.
وقد بيّنت دراسات علم النفس الإيجابي أن أحد أعمدة الرفاه النفسي يتمثل في الإحساس بالتقدم الشخصي. يرى الباحث “مارتن سيليغمان”، رائد هذا الحقل، أن السعادة ليست في المتعة العابرة فحسب، بل في الشعور بأن للحياة معنى، وأن الإنسان يسير نحو غاية يُؤمن بها. الإنجاز، إذًا، ليس ترفًا، بل حاجة نفسية تُغذّي الإحساس بالوجود.
في مجتمعاتنا العربية، التي يطغى فيها أحيانًا التقييم الجماعي للأفراد على صوتهم الداخلي، نحتاج أن نُعيد للإنجاز الشخصي اعتباره، لا باعتباره وسيلة للمباهاة، بل كمسار لإعادة بناء الثقة بالنفس، وتعزيز الشعور بالجدوى، واستعادة القدرة على المبادرة وسط ضجيج المقارنات.
الأجمل في لذّة الإنجاز أنها لا تفرّق بين صغير وكبير. الطالب الذي يُتم بحثه بشغف، والأم التي تُنجز يومًا مليئًا بالحب والرعاية، والكاتب الذي يضع النقطة الأخيرة في كتابه، جميعهم يتشاركون ذلك النور الخفي في أعينهم: لقد أنجزت وأنا سعيد.
السعادة الناتجة عن الإنجاز ليست ضربة حظ، بل ثمرة جهد وصبر واستمرارية. وهي تجربة تُربّى في الداخل أكثر مما تُستمد من الخارج. من يزرع الجدّ، ويصاحب الإخلاص، ويؤمن بما يفعل، سيجني سعادة لا تذبل.
وفي زمن تقاس فيه النجاحات بعدد الإعجابات والمشاهدات، لعلّنا بحاجة إلى أن نهمس لأنفسنا، بصدق:
“أنجز لأجلك… واسمح لقلبك أن يفرح قبل أن تنتظر اعجاب الآخرين.”