في بيتنا مدمن: صراع الأبناء في غفلة الأهل يبدأ بالأمل وينتهي بالمأساة.

حمد آل كليب
قد يبدأ الأمر بتغير بسيط في سلوك ابنك: أصبح يميل إلى العزلة، يغلق باب غرفته كثيرًا، لا يتحدث كما اعتدت، يتجنب الجلوس مع العائلة، يتأخر في النوم أو يكثر منه، ينسحب من أصدقائه، وتبدأ علامات جديدة تظهر على ملامحه وتصرفاته.
في هذه اللحظة، لا يجوز الاكتفاء بالصمت أو تبرير هذه التغيرات بأنها مجرد مرحلة عمرية أو خصوصية يجب احترامها. فالعزلة المريبة والسلوك المتغير ليست خصوصية، بل نداء خطر.
من حق الآباء أن يطمئنوا، ومن واجبهم أن يتابعوا.
المتابعة ليست اقتحامًا، بل مسؤولية.
وكل ما يتطلبه الأمر هو بعض الوقت اليومي، بحدود عشر دقائق أو ربع ساعة، للحديث الهادئ والمراقبة الذكية.
يجب الانتباه لأي تغيّر في علاقاته، صلاته، اهتماماته، سلوكياته، وحتى نظرته للحياة.
هل أصبح يتجنب الأسئلة؟
هل يغضب دون سبب؟
هل ينعزل عن أصدقائه المقربين؟
هل تغيّرت ملامحه؟
هذه مؤشرات لا يجب تجاهلها.
وإن وُجد ما يدعو للشك، فالصراحة المباشرة الهادئة هي البداية، لا الانتظار ولا الإنكار.
وقد يكون اللجوء للجهات المختصة ضرورة ملحة، لا عيب فيها ولا تقصير، بل شجاعة ووعي.
علينا أن ندرك أن المخدرات ليست خطرًا داخليًا فحسب، بل حرب خارجية تُشنّ لتدمير شباب هذا الوطن، وسلبه طاقاته ومستقبله من خلال استهدافهم بوسائل خبيثة ومتنوعة.
إنها معركة صامتة تستهدف العقول قبل الأجساد، والأمل قبل الطموح، ولا خيار لنا سوى المواجهة الواعية والحازمة.
وقد لا يدرك البعض فداحة الخطر حتى تقع الفاجعة. فقد شهدنا في السنوات الأخيرة قصصًا مؤلمة لمدمنين وصلوا إلى مراحل متقدمة من التدهور العقلي والسلوكي، دفعتهم المخدرات إلى قتل آبائهم أو أمهاتهم أو أحد أفراد أسرهم في لحظات غياب عن الوعي أو تحت تأثير نوبات من العنف والانفصال عن الواقع.
هذه القصص، رغم مرارتها، ليست مجرد أخبار تتناقلها وسائل الإعلام، بل عبر ودروس يجب أن نتوقف أمامها طويلاً.
فالإدمان لا يدمر فقط من يتعاطى، بل يمتد أثره ليفتك بالأقرب إليه، ويدمر الأسر من الداخل، ويحيل البيوت إلى ساحات ألم وصمت وندم لا ينتهي.
علينا كمجتمع أن نستشعر هذه المآسي، وأن نأخذ منها عبرة، وأن نكون أكثر وعيًا وجرأة في الوقوف أمام هذا الخطر قبل أن يتجذّر.
وفي إطار جهود الدولة لحماية شباب الوطن، تم توفير مراكز طبية متخصصة لعلاج الإدمان في مختلف المناطق، تقدم الرعاية بسرّية تامة وبأعلى درجات الاحترافية.
كما خصصت الدولة الرقم الموحد 995 التابع للمديرية العامة لمكافحة المخدرات، والذي يعمل على مدار الساعة لتقديم الاستشارات وتلقي البلاغات بسرية تامة.
وفي هذا السياق، نرفع الشكر والتقدير لحملة مكافحة المخدرات الوطنية، التي تمثل جدار الحماية الأول ضد هذه السموم، وتُجسد تضافر الجهود الأمنية والطبية والإعلامية لحماية المجتمع من أخطر الآفات.
هذه الحملة لم تأتِ من فراغ، بل من استشعار عميق بالخطر، وهي مسؤولية جماعية لا تقتصر على الجهات المختصة، بل تبدأ من البيت والشارع والمدرسة.
ختامًا، المخدرات لا تطرق الباب، بل تتسلل بصمت.
والانتباه اليوم قد ينقذ حياة، وقد يُعيد ابنًا إلى حضن أسرته، وقد يمنع كارثة لن تُمحى.
لنجعل وعينا هو الحاجز الأول، ولنكن قريبين من أبنائنا بما يكفي لنمنع غربتهم داخل منازلهم.