هل يستطيع عقلك تخزين العديد من الذكريات؟ العلماء يقدمون الإجابة

قد تشعر أحيانًا بأن دماغك “ممتلئ” بعد ليلة طويلة من العمل أو قبل امتحان صعب، لكن الحقيقة أن الدماغ البشري لا يمتلك حدًّا ثابتًا للذاكرة مثل الهاتف أو الكمبيوتر. فالذاكرة ليست مجرد “مساحة تخزين” تنفد، بل نظام معقد يتكيف ويتطور باستمرار لمساعدتنا على التعلّم واتخاذ القرارات.
الذاكرة لا تعمل كمجلدات!
وفقًا للدكتورة إليزابيث كينسنجر، أستاذة علم النفس والأعصاب في كلية بوسطن، فإن الذكريات ليست محفوظة في خلايا عصبية منفصلة، بل موزعة على شبكات من الخلايا تسمى “أنغرام”. أي أن كل ذكرى تنشط عدة مناطق من الدماغ في وقت واحد – مثل منطقة البصر، والسمع، والمشاعر وغيرها.
عندما تتذكر حدثًا مثل حفلة عيد ميلادك، فإن دماغك يعيد تنشيط هذا النمط المتكامل من الإشارات.
هذه الطريقة تمنح الدماغ قدرة هائلة على تخزين الذكريات، لأن كل خلية عصبية يمكن أن تشارك في عدة ذكريات. ووفقًا للبروفيسور بول ريبر من جامعة نورث وسترن، فإن احتمالات هذه الشبكات المتداخلة تجعل سعة الذاكرة البشرية أشبه باللانهائية من حيث التنوع.
لماذا لا نتذكر كل شيء؟
رغم هذه السعة الكبيرة، فإننا لا نتذكر كل ما نمر به. السبب؟ نظام الذاكرة يعمل أبطأ من سرعة الأحداث من حولنا. فالعقل يستقبل كميات هائلة من المعلومات يوميًا، لكنه لا يسجل منها سوى ما يراه مهمًا أو مثيرًا. يشبّه العلماء الأمر بكاميرا تسجّل 10% فقط مما تراه.
ويضيف ريبر أن “العنق الزجاجي” ليس في كمية التخزين، بل في عملية “التثبيت” أو ما يُعرف بـ الترسيخ، وهي المرحلة التي تتحول فيها التجارب إلى ذكريات طويلة المدى.
كيف يختار الدماغ ما يحتفظ به؟
تشير البروفيسورة ليلى دافاتشي من جامعة كولومبيا إلى أن الذاكرة تطورت لتخدم البقاء، وليس لتخزين كل تفصيل. فالعقل يركّز على المعلومات التي تساعدنا على التصرّف واتخاذ القرارات، مثل المواقف الخطرة أو الأمور الجديدة. ولهذا لا تتذكر كل رحلاتك اليومية إلى العمل، بل فقط الرحلة التي كدت تتعرض فيها لحادث.
ومع تكرار المعلومات، ينتقل الدماغ من حفظ التفاصيل الدقيقة إلى تذكّر “النمط العام” أو “الخلاصة”، مما يوفّر مساحة وجهدًا في التعامل مع الحياة اليومية.
خلاصة علمية
دماغك لا يُمكن أن “يمتلئ” أو ينفد من الذاكرة. بل هو جهاز ديناميكي يعيد ترتيب وتبسيط المعلومات باستمرار. كلما نسيت شيئًا بسيطًا، لا تقلق: على الأرجح أن دماغك اختار التركيز على ما هو أهم.