ضغط على بريكس: تهديدات ترامب تزعزع استقرار الجنوب العالمي

ضغط على بريكس: تهديدات ترامب تزعزع استقرار الجنوب العالمي

الوئام – خاص

بينما تسعى قوى الجنوب العالمي لإعادة تشكيل النظام الدولي بعيدًا عن ثنائية الشرق والغرب، واجهت قمة “بريكس” الأخيرة في ريو دي جانيرو اختبارًا حقيقيًا لإرادتها الجماعية، في ظل تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة.

ورغم أجواء الحذر والانقسام داخل التحالف، جاءت تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لتؤكد أن واشنطن ما زالت ترى في “بريكس” تحديًا جيوسياسيًا متناميًا، حتى وإن لم يكن معلنًا.

حضور منخفض ورسائل موجهة
عُقدت قمة “بريكس” لهذا العام في ريو دي جانيرو بحضور محدود، حيث شاركت فقط خمس دول من أصل عشر على مستوى رؤساء الحكومات، من بينها البرازيل، وإثيوبيا، والهند، وإندونيسيا، وجنوب إفريقيا.

في المقابل، غاب الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤشر على تراجع زخم الحضور السياسي.

ووفق ما نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، اختارت البرازيل، الدولة المستضيفة، التركيز على قضايا التنمية الاقتصادية والتغير المناخي، متجنبة النقاط الخلافية مثل خطط التداول بالعملات المحلية داخل التكتل، وذلك في محاولة واضحة لتفادي ردود فعل اقتصادية غاضبة من جانب واشنطن.

خطاب الجنوب العالمي
أعاد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا التأكيد على أن “بريكس” لا يقف ضد أحد، بل يمثل منصة مستقلة للجنوب العالمي.

وقد تجسد هذا النهج في تصريحات كبير مستشاريه الدبلوماسيين، سيلسو أموريم، الذي وصف “بريكس” بأنه “ليس الغرب ولا الشرق، بل الجنوب العالمي”، وهو ما يعكس حرص البرازيل على تقديم التكتل كقوة توازن، لا كمعسكر سياسي مناهض للغرب.

أما البيان الختامي للقمة، الذي جاء في 16 ألف كلمة، فأكد على دعم المؤسسات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي. لكنه لم يخلُ من مضامين سياسية واضحة، أبرزها انتقاد “العدوان الإسرائيلي في غزة” والدفاع عن “حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم”.

وقد وصف الرئيس دا سيلفا ما يحدث في القطاع بأنه “إبادة جماعية”، مشيرًا إلى استخدام إسرائيل للجوع كسلاح حرب، ورغم أن دولًا غربية ترفض هذا التوصيف، فإن “بريكس” تبنّى لهجة حادة غير مسبوقة تجاه إسرائيل.

انتقاد مبطن للغرب وتجاهل روسيا
في خطوة غير مسبوقة، أدانت القمة الهجمات التي طالت مدنيين وبُنى تحتية داخل الأراضي الروسية، مستخدمةً عبارات شديدة اللهجة، لكنها تجنبت عمدًا ذكر أوكرانيا كطرف مسؤول عن تلك الهجمات.

وقد فُسر هذا التجاهل كمحاولة لتفادي توجيه انتقاد مباشر لروسيا بشأن حربها على أوكرانيا.

وفي الوقت نفسه، وجّه البيان انتقادًا لحلف الناتو بسبب زيادة الإنفاق العسكري بين دوله، معتبرًا ذلك جزءًا من “سباق تسلح” يكرّس منطق الحرب بدلًا من الدفع نحو السلام.

ورغم أن البيان لم يُشر مباشرة إلى الولايات المتحدة، إلا أنه تضمّن إشارات واضحة إلى سياسات أمريكية مثيرة للجدل، من بينها فرض رسوم جمركية أحادية الجانب، وهي ممارسات وصفها البيان بأنها “تتناقض مع قواعد منظمة التجارة العالمية” وتشكل تهديدًا للاستقرار الدولي.

ترمب يرد برسالة تهديد مباشرة
لم تمر القمة بهدوء؛ إذ نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب منشورًا على منصة “تروث سوشيال”، هدد فيه بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% على أي دولة “تتبنّى سياسات بريكس المعادية لأمريكا”.

وقد أثارت هذه الرسالة قلق عدد من الدول الأعضاء، مثل الهند والبرازيل، اللتين تحاولان الحفاظ على علاقات متوازنة مع واشنطن.

يأتي هذا التهديد بعد تصريح سابق لترمب عام 2024، لوّح فيه بفرض رسوم تصل إلى 100% على دول “بريكس” إذا حاولت إنشاء عملة موحدة بديلة للدولار، وهي خطوة لم يتخذها التكتل رسميًا حتى الآن.

ردود حذرة وسعي للتهدئة
سارع الدبلوماسي البرازيلي سيلسو أموريم إلى التهدئة، مؤكدًا أن “بريكس لم يهدد الولايات المتحدة بشيء”، مضيفًا أن تهديدات ترمب “تبرز الحاجة إلى منظمة مثل بريكس لديها القدرة على النقاش والتنسيق”.

أما الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، فقد عبّر بلهجة أكثر صراحة، قائلًا: “من المؤسف أن ينظر البعض إلى مبادرات إيجابية مثل بريكس بعدائية، ويهددون من يشارك فيها بالعقوبات”.

تحالفات متشابكة وخطاب متزن
رغم حدّة بعض التصريحات، لم يُظهر قادة “بريكس” ميولًا نحو التصعيد. فقد رفضت الصين وروسيا، عبر متحدثين رسميين، اتهامات ترمب بأن التكتل يحمل طابعًا “معاديًا لأمريكا”، مشيرين إلى أن الهدف من “بريكس” هو تعزيز التعاون لا التناحر.

ومع ذلك، فإن التهديدات الأمريكية تكشف عن هشاشة المسار الذي تحاول “بريكس” المضي فيه، إذ تجد نفسها بين خطاب “الجنوب المستقل” ومصالح أعضائها العميقة مع الغرب.