إطلاق الإبداع يبدأ من المدارس: دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج لدعم صناعة المحتوى الإبداعي

د. هتاف بنت مساعد متروك الفريدي
مشرفة في وزارة التعليم
في خطوة نوعية تعكس توجه المملكة نحو تمكين الجيل الرقمي، أعلنت وزارة التعليم عن إدراج مقرر “الذكاء الاصطناعي” ضمن مناهج التعليم، ليكون جزءًا أساسيًا في بناء وعي المتعلمين بالتقنيات الحديثة، وتوظيفها في مجالات إبداعية متنوعة.
يأتي هذا التوجه في سياق استراتيجي يستهدف إطلاق العنان لقدرات المتعلمين في مجالات صناعة المحتوى الرقمي الإبداعي، وتحفيزهم على التفكير النقدي والتفاعل الذكي مع أدوات المستقبل, ويمثل هذا القرار محطة مفصلية في مسار التحول التعليمي، فلم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية مساندة، بل أصبح مكوّنًا معرفيًا أصيلاً في العملية التعليمية، مدعومًا بتدريب الكوادر التربوية وتأهيلهم لصناعة محتوى يتماشى مع متطلبات العصر الرقمي.
وفي المقابل يشهد قطاع صناعة المحتوى الإبداعي في المملكة العربية السعودية تحولًا نوعيًا غير مسبوق، بقيادة تقنيات الذكاء الاصطناعي كونها أصبحت الركيزة الأساسية في إنتاج وتحرير المواد الإعلامية بمختلف أشكالها، لاسيما في مجالات الصوت، الصورة والفيديو وأحدثت هذه التقنية ثورة في رفع جودة الإنتاج الإعلامي، وتسريع وتيرة العمل كما ساهمت في ابتكار أساليب جديدة للطرح والتفاعل مع الجمهور.
وفي هذا الإطار برزت مجموعة من الأدوات التوليدية المدعومة بالذكاء الاصطناعي وباتت في متناول صنّاع المحتوى، لتتيح تحويل النصوص إلى فيديوهات احترافية، وتوليد أصوات بشرية واقعية، فضلًا عن تحرير المحتوى السمعي والبصري باستخدام الأوامر النصية فقط، مما قلل من الجهد والوقت ويزيد من الكفاءة.
ولم يعد يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على الإنتاج فقط، بل امتد ليشمل تحليل سلوك الجمهور، وفهم الخوارزميات الرقمية التي تتحكم في انتشار المحتوى على المنصات الكبرى كما ساهمت خوارزميات “التوقيت الذكي” وتقنيات التعلّم الآلي في جدولة النشر، مما عزز من فرص الوصول وضاعف معدلات التفاعل.
ويرى خبراء الإعلام الرقمي أن إتقان مهارات التعامل الواعي مع الخوارزميات أصبح شرطًا جوهريًا لنجاح صنّاع المحتوى، إلى جانب القدرة على استخدام أدوات تحليل الأداء لفهم اهتمامات الجمهور، وإعادة تصميم الرسائل الإعلامية بما يحقق التأثير والارتباط النفسي والسلوكي المطلوب.
وانطلاقا من توجه وزارة التعليم نحو إدراج مقرر الذكاء الاصطناعي كمادة أساسية في جميع مراحل التعليم العام داعمًا للتحولات الجوهرية لتقديم نموذج إعلامي يتسم بالمرونة، وقادر على التكيف مع البيئة الرقمية المتسارعة, وعليه نطرح عدد من التوصيات النوعية التي يمكن تبنيها وطرحها في خدمة المحتوى الإبداعي في القطاع التربوي والتعليمي:
دمج أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن استراتيجيات الإعلام التربوي لتعزيز جودة الرسائل التعليمية.
تدريب الكوادر التعليمية على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج وتحرير المواد العلمية والتوعوية بمحتوى فعال يواكب اهتمامات المتلقي.
وضع سياسات تنظيمية وتشريعية تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي وأدواته في الإعلام التعليمي بما يضمن الموثوقية والأخلاقيات.
وضع معايير لقياس الأثر التربوي والإعلامي لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى الجمهور والمحتوى.
وفي كل هذه المعطيات فالذكاء الاصطناعي يعد أكثر من مجرد أداة تقنية بل رافعة استراتيجية تعزز من مكانة التعليم والإعلام كقوتين فاعلتين في تحقيق من رؤية المملكة العربية السعودية 2030 م لصناعة مستقبل ينهض وينطلق من الميدان التعليمي ، ليعيد رسم ملامح المحتوى الإبداعي بأدوات رقمية متقدمة.