صراع القوى: هل تخاطر موسكو بفتح جبهة جديدة في وسط آسيا؟

صراع القوى: هل تخاطر موسكو بفتح جبهة جديدة في وسط آسيا؟

الوئام – خاص
بينما تتواصل الحرب الروسية الأوكرانية للعام الثالث على التوالي، تتعالى بعض الأصوات المحذّرة من نوايا توسعية جديدة للكرملين، ليس في أوروبا وحدها، بل أيضًا في آسيا الوسطى، تلك المنطقة التي لطالما اعتبرتها موسكو جزءًا من “نطاقها الطبيعي”،  فهل يخاطر بوتين بفتح جبهة جديدة هناك؟

نزيف روسيا العسكري

وفق ما نشر موقع ناشيونال إنترست الأمريكي، لم تعد روسيا قادرة على شنّ عمليات عسكرية إضافية واسعة النطاق، في ظل نزيفها العسكري في أوكرانيا.

ورغم مرور ثلاث سنوات على الحرب، لم تسيطر موسكو سوى على خمس الأراضي الأوكرانية، بينما تقترب خسائرها البشرية من حاجز المليون. وتُضاف إلى هذه المعاناة أزمة سكانية حادة، حيث سجّلت البلاد أقل عدد مواليد منذ أكثر من قرنين، ما يهدد مستقبل التجنيد العسكري ويعمّق مأزق موسكو.

جغرافيا معقدة وسلاسل إمداد هشة
تمثّل آسيا الوسطى تحديًا لوجستيًا ضخمًا لأي قوة عسكرية؛ مساحتها تبلغ ستة أضعاف مساحة أوكرانيا، وتضاريسها الجبلية والوعرة تزيد صعوبة العمليات العسكرية.

ورغم وجود قواعد عسكرية روسية في كازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان، إلا أنها لا تمثل استعدادًا هجوميًا، بل تركز على مكافحة الإرهاب والحفاظ على النفوذ التاريخي.

غياب النوايا السياسية للهجوم
بعيدًا عن التغريدة الاستفزازية التي نشرها ثم حذفها دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، في عام 2022، لم تصدر عن موسكو أي تهديدات علنية تجاه دول آسيا الوسطى.

وعلى العكس من ذلك، تُظهر الوثائق الاستراتيجية الروسية الرسمية، مثل “استراتيجية الأمن القومي” و”مفاهيم السياسة الخارجية”، التزامًا واضحًا بتعزيز التكامل الإقليمي مع آسيا الوسطى، لا السعي للهيمنة عليها. ويتجلى ذلك من خلال الانخراط في أطر متعددة الأطراف مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة شنغهاي للتعاون.

مصالح متشابكة بين موسكو وبكين
ترى روسيا في آسيا الوسطى حليفًا وليس خصمًا، وتُفضّل الحفاظ على توازن المصالح مع الصين، التي تُعد شريكًا استراتيجيًا واقتصاديًا بالغ الأهمية.

فالصين تتصدر قائمة شركاء آسيا الوسطى التجاريين، وتحمل مشاريع ضخمة ضمن مبادرة الحزام والطريق، ما يجعل أي تصعيد روسي تهديدًا مباشرًا للمصالح الصينية، وهو أمر لا ترغب موسكو في خوضه.

آسيا الوسطى تمارس دبلوماسية الموازنة
اختارت جمهوريات آسيا الوسطى نهج “الموازنة الذكية”، فلا هي وقعت بالكامل تحت النفوذ الروسي، ولا قطعت علاقاتها مع الغرب.

ففي الوقت الذي تتصدر فيه الصين المشهد كشريك اقتصادي رئيسي لدول آسيا الوسطى، لا تزال روسيا تحافظ على دور فاعل في قطاعات الطاقة والبنية التحتية. في المقابل، كثّفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من حضورهما الدبلوماسي والاقتصادي في المنطقة، لا سيما عبر قمة “C5+1″، وهي إطار للتعاون يجمع بين واشنطن وخمس دول في آسيا الوسطى (كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان، قرغيزستان، طاجيكستان)، بهدف تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية، وتنسيق الجهود في ملفات مثل الطاقة، والمناخ، ومكافحة الإرهاب.

خريطة القوة تغيّرت
الواقع الجيوسياسي الجديد لا يسمح بمغامرات عسكرية غير محسوبة. ومع انشغال روسيا في أوكرانيا، وتراجع قدرتها على فرض النفوذ بالقوة، بات من الأرجح أن تستمر في استخدام أدوات التأثير الناعم والدبلوماسي بدلًا من الحرب في آسيا الوسطى.

فتح جبهة جديدة في قلب أوراسيا ليس فقط مغامرة عسكرية، بل مقامرة جيوسياسية قد تهدد علاقات موسكو مع بكين وتفجّر التوازن الإقليمي.