فرص نجاح وقف إطلاق النار في غزة ومتطلبات الثلاثة الأساسية

الدكتور محمد الطماوي – الباحث في الشؤون السياسية والدولية
مع تصاعد الجهود الدبلوماسية الإقليمية والدولية للوصول إلى هدنة في قطاع غزة، يُطرح تساؤل جوهري حول فرص نجاح هذه المبادرة الجديدة، خصوصًا أنها تأتي في ظل ظروف معقدة من الانقسام الداخلي الإسرائيلي، والتباينات الفلسطينية، والضغط الدولي المتزايد على أطراف الصراع.
المبادرة الأمريكية الأخيرة، التي حملت مقترح وقف إطلاق نار لمدة 60 يومًا، ووسّطت فيها أطرافًا إقليمية، لا تبدو مجرد خطوة إنسانية عابرة، بل تُقرأ باعتبارها محاولة سياسية لاختبار مدى استعداد الأطراف لتغيير قواعد اللعبة في غزة.
لكن المعطيات على الأرض لا توحي حتى الآن بأن الأطراف في صدد تغيير استراتيجياتهم الكبرى، على الصعيد الداخلي الإسرائيلي؛ فإن سطوة المتطرفين في الحكومة، وتفكك الثقة بين القيادة السياسية والعسكرية، تضع نتنياهو أمام معادلة معقدة: إما التقدم نحو هدنة تحت ضغط أمريكي وعربي ودولي، أو مواجهة غضب داخلي متصاعد في ظل أزمة اقتصادية خانقة وانقسام سياسي عميق.
إن واقع ما بعد الحرب في غزة لن يكون كما قبله، لا السعودية ولا مصر ترغبان في إبقاء القطاع رهينة لحسابات فصائلية ضيقة، أو بؤرة دائمة للتوتر. بل إن الرؤية الإقليمية – والتي باتت تتقاطع مع جزء من الرؤية الدولية – تدفع نحو فرض هدنة طويلة الأمد تُهيئ الطريق لتسوية شاملة، تشمل الضفة وغزة والقدس، وتضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وتوقف آلة الحرب الإسرائيلية التي تجاوزت في شراستها كل الخطوط الحمراء القانونية والإنسانية.
نجاح الهدنة بات مرهونًا بثلاثة شروط متكاملة: إرادة سياسية جادة لدى إسرائيل لتقديم تنازلات حقيقية بعيدًا عن ضغوط اليمين المتطرف؛ وحدة فلسطينية تتجاوز الانقسام وتستند إلى شرعية وطنية موحدة؛ وتحركات إقليمية ودولية قوية، تضمن تنفيذ بنود الهدنة وفتح الباب أمام مسار سياسي طويل الأمد.
المعادلة لم تعد فقط وقف إطلاق نار، بل فتح نافذة أمل لسلام مستدام تُكتب فيه نهاية منصفة لأحد أطول النزاعات في العصر الحديث.