محلل اقتصادي لـ”الوئام”: أنغولا تواجه السوق بمفردها دون دعم أوبك

محلل اقتصادي لـ”الوئام”: أنغولا تواجه السوق بمفردها دون دعم أوبك

في خضم المتغيرات الجيوسياسية الحادة وتنامي صراعات النفوذ في أسواق الطاقة، تجد أنغولا نفسها اليوم أمام مفترق طرق حاسم، بعد قرارها الانسحاب من منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك).

القرار الذي اتخذته الحكومة الأنغولية في نهاية عام 2023 لم يكن مجرد خطوة تقنية تتعلق بحصص الإنتاج، بل حمل في طياته أبعادًا سياسية واستراتيجية لا تزال تداعياتها تتكشف. وفي الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات داخل البلاد لمراجعة القرار، يحذّر خبراء الاقتصاد من خطورة عزل أنغولا عن المنظومة النفطية الدولية في هذا التوقيت الحرج.

الانسحاب لم يحقق أهدافه الاقتصادية

أوضح المهندس حازم الشريف، المحلل المالي والاقتصادي، في تصريحات لـ”الوئام”، أن النقاش الذي عاد إلى السطح في الأوساط السياسية الأنغولية يعكس تزايد القلق من تداعيات القرار.

وقال الشريف: “الانسحاب من أوبك لم يُترجم إلى أي زيادة حقيقية في الإنتاج، فالمتوسط لا يزال مستقرًا عند 1.1 مليون برميل يوميًا، أي أقل بكثير من إمكانات البلاد التاريخية، ما يثير تساؤلات جدية حول المكاسب الموعودة من هذه الخطوة”.
غياب الاستثمارات يعمّق الأزمة

وأشار الشريف إلى أن “القرار لم يُقابل بأي ضخ فعلي لاستثمارات هيكلية في قطاعي النفط والغاز، مما يعكس غياب الثقة الدولية في السياسات النفطية للبلاد بعد انسحابها من مظلة أوبك”.

وأضاف أن “المنظمة كانت تمثّل أنغولا بشكل فاعل في السوق العالمية، وكانت توفّر لها غطاءً سياسيًا ودبلوماسيًا لتسويق إنتاجها، وبالتالي فإن الخروج من هذا الإطار أضعف موقف البلاد التفاوضي”.

قرار غير محسوب

وبيّن الشريف أن انسحاب أنغولا جاء في سياق عالمي بالغ الحساسية، يتّسم بعدم الاستقرار والتوجه المتسارع نحو مصادر طاقة بديلة، مؤكدًا أن “الخروج من آلية التنسيق الجماعي في مثل هذا التوقيت لم يكن قرارًا مدروسًا، بل خطوة فُقد فيها الاتزان السياسي والاقتصادي”.

وفي تحليله للخطاب السياسي المتصاعد داخل البلاد، شدد الشريف على ضرورة فتح نقاش وطني شامل حول خلفيات القرار، مضيفًا: “إذا لم يكن هناك مكسب واضح للشعب الأنغولي، فمن حقه أن يعرف من استفاد من هذا التحوّل في السياسات الاقتصادية. لا بد من محاسبة واضحة، ومراجعة حقيقية قبل فوات الأوان”.

العضوية الضعيفة ليست مبررًا للخروج

في تقييمه لتاريخ أنغولا داخل منظمة أوبك، أكد الشريف أن “أنغولا لم تتمكن في أي وقت من أن تكون عضوًا مؤثرًا في المنظمة، نتيجة محدودية إنتاجها وتدهور بنيتها التحتية النفطية، لكنها مع ذلك كانت تستفيد من منظومة الحماية الجماعية التي توفّرها أوبك”.

وأضاف: “قرار الخروج لم يكن مفاجئًا تمامًا، إذ سبقته دول مثل قطر وإندونيسيا لأسباب سياسية أو تنظيمية، لكن ذلك لا يعني أن الخطوة كانت مناسبة لأنغولا”، موضحًا أن “الإجراءات التنظيمية المرتبطة بالانسحاب، مثل تسوية الالتزامات المالية، تتيح عادة وقتًا كافيًا للمراجعة، وهو ما يجب استغلاله الآن”.

انسحاب يضر أكثر مما ينفع

شدّد الشريف على أن “أنغولا خسرت الكثير بخروجها، فالمنظمة كانت تضبط السوق العالمي وتُسهم في استقرار الأسعار، مما يصب في مصلحة الدول المنتجة ذات الطاقة المحدودة”. وأكد أن “الخروج جعل أنغولا في مواجهة مباشرة مع تقلبات السوق والمنافسة من الدول الكبرى، دون دعم جماعي أو آليات توازن”.

كما أشار إلى أن “قرار أنغولا بالانسحاب يبدو غير مدروس، بدليل تصريحات عدد من مسؤوليها الذين بدأوا بمراجعة الموقف”، مضيفًا أن “التجربة أثبتت أن الدول التي انسحبت من أوبك تعود لاحقًا لإعادة حساباتها بعد أن تلمس الآثار السلبية على أرض الواقع”.

السعودية ورؤية استراتيجية 

من جهة أخرى، أثنى الشريف على الدور القيادي الذي تلعبه السعودية في الحفاظ على توازن سوق الطاقة، قائلًا: “المملكة، بالتعاون مع روسيا، تواصل جهودها لتجنّب انهيار الأسعار، ورفضت في أكثر من مناسبة الضغوط الغربية لزيادة الإنتاج، وذلك بهدف حماية الدول الأقل قدرة على التأثير مثل أنغولا”.

وأشار إلى أن “السعودية تنطلق من رؤية استراتيجية تراعي مصالح المنتجين والمستهلكين معًا، دون تمييز بين دولة كبرى أو صغيرة، ما يجعلها ركيزة استقرار حقيقية في أسواق الطاقة”.