الانتقال نحو آسيا: الصين تعيد تشكيل اتجاهات اتخاذ القرار العسكري الأمريكي

الوئام – خاص
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن بدء مراجعة شاملة لصادرات الأسلحة الأمريكية إلى حلفائها حول العالم، في خطوة أثارت قلق العديد من الدول، لا سيما أوكرانيا. وتأتي هذه الخطوة في ظل تقارير متزايدة عن تراجع مخزون الذخائر الحيوية في الترسانة الأمريكية، خصوصًا ما يتعلق بصواريخ الدفاع الجوي.
يأتي هذا الإعلان في توقيت سياسي حساس، حيث أكدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أنها ستُقلِّص من تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، مشددة على أن مصلحة الولايات المتحدة يجب أن تكون أولوية، في إطار مراجعة شاملة لدورها العسكري على الساحة الدولية.
ما بين “هيمارس” و”باتريوت”
وفقًا لما نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، تشمل الذخائر الخاضعة للمراجعة أنواعًا متعدّدة، أبرزها صواريخ “هيمارس” بعيدة المدى، وقذائف مدفعية من عيار 155 ملم، وصواريخ “باتريوت” المضادة للطائرات، التي تُعدّ العمود الفقري للدفاعات الجوية الأوكرانية. وقد لعبت هذه الأسلحة دورًا محوريًا في الحد من تأثير الهجمات الروسية على المدن والبنية التحتية الحيوية.
لكنّ توقف التسليم المفاجئ لهذه الأنظمة بررته واشنطن برغبتها في الحفاظ على توازن مخزونها الداخلي، خصوصًا بعد الاستخدام المكثّف لصواريخ الدفاع الجوي لحماية إسرائيل من القصف الإيراني في الأسابيع الماضية.
ترمب يدعم أوكرانيا
رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب دعمه لزيادة تسليم صواريخ “باتريوت” لأوكرانيا خلال مقابلة مع صحفي أوكراني، فإن ذلك لم يغيّر مجرى القرار. ويبدو أن المؤسسة العسكرية الأمريكية ماضية في مراجعتها الشاملة دون الاكتراث للتوجهات الفردية لبعض السياسيين.
توقف تسليم الذخائر يوم الثلاثاء أتى في توقيت حساس، بالتزامن مع تصاعد الضربات الروسية ضد أوكرانيا، ما يضع علامات استفهام حول خلفية القرار الأمريكي وتداعياته الإقليمية.
مراجعة تتخطى أوكرانيا
في تصريحات صحفية، أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، شون بارنيل، إلى أن المراجعة تشمل دولًا أخرى غير أوكرانيا. وعلى الرغم من رفضه ذكر أسماء الدول أو نوعية الذخائر التي تم تعليق تسليمها، يرى مراقبون أن إسرائيل قد تكون من المتأثرين، نظرًا لاعتمادها الكبير على السلاح الأمريكي، حيث تستورد نحو 68% من أسلحتها من الولايات المتحدة.
وأكد بارنيل أن المراجعة تهدف إلى ضمان توافق صادرات الأسلحة مع أولويات الدفاع القومي الأمريكي، قائلًا: “إنها خطوة منطقية وعملية لتقييم أين تذهب الذخائر، وكم نملك منها.”
كييف تحذر: القرار يشجع روسيا
في ردٍّ سريع، حذّرت أوكرانيا من أن أي تأخير أو وقف في المساعدات العسكرية سيؤثر مباشرة على قدرتها في مواجهة التصعيد الروسي. كما استدعت وزارة الخارجية الأوكرانية القائم بالأعمال الأمريكي في كييف، وأبلغته بأن أي “تباطؤ في الدعم لن يؤدي إلى السلام، بل سيُشجّع روسيا على التمادي في الحرب.”
تخشى كييف أن يكون القرار مؤشرًا على تغيّر جذري في الالتزام الأمريكي تجاهها، في وقت تخوض فيه معارك شديدة على الجبهات الشرقية.
تحوّل استراتيجي نحو آسيا
يبدو أن أحد المحركات الأساسية لهذه المراجعة هو توجّه أمريكي متزايد نحو آسيا. إذ يقود المراجعة نائب وزير الدفاع للسياسات، إلبرج كولبي، المعروف بمواقفه الداعية إلى تقليص الالتزامات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط وأوروبا، وتوجيه الموارد نحو مواجهة التهديد الصيني.
يحظى هذا التوجه بدعم واسع داخل الحزب الجمهوري، لا سيما من نائب الرئيس جي دي فانس، الذي انتقد مرارًا الدعم المستمر لأوكرانيا، داعيًا إلى سياسة “أمريكا أولًا” في الأمن والدفاع.
بين الواقعية والتردد
رغم تأكيدات المسؤولين الأمريكيين على أن المراجعة لا تعني تراجعًا في القدرات العسكرية، فقد أشار بارنيل إلى أن الجيش الأمريكي “مستعد لأي مهمة، في أي مكان، وفي أي وقت”. إلا أن المراجعة تحمل في طياتها إشارات واضحة على إعادة ترتيب الأولويات، وعلى أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على دعم كل الحروب.
أمام هذا التحوّل، يجد الحلفاء أنفسهم أمام واقع جديد: أمريكا تُعيد حساباتها، ولم تعد شريان تسليح مفتوحًا بلا قيود.
قرار البنتاغون لا يُعَدّ مجرد خطوة تقنية، بل يعكس تحوّلات أعمق في التفكير الاستراتيجي الأمريكي، ويشير إلى إدراك متزايد بأن المواجهة القادمة لن تكون في أوروبا، بل في المحيط الهادئ، حيث تلوح الصين في الأفق كخصم لا يمكن تجاهله.