خبير اقتصادي لـ”الوئام”: السعودية تشكل الدعامة الأساسية لمنظمة أوبك

خبير اقتصادي لـ”الوئام”: السعودية تشكل الدعامة الأساسية لمنظمة أوبك

الوئام – خاص

زادت منظمة البلدان المصدّرة للبترول “أوبك” إنتاجها من الخام بأعلى وتيرة خلال أربعة أشهر، في ظل تحوّل واضح يشهده تحالف “أوبك+” خلال الأشهر الأخيرة، من التركيز على الدفاع عن الأسعار إلى تبنّي سياسة زيادة الإنتاج.

وكانت الدول الأعضاء قد وافقت على إعادة إمدادات التخفيضات الطوعية في مايو ويونيو ويوليو، بثلاثة أضعاف الوتيرة المقرّرة سابقًا. ومن المنتظر أن تبحث الدول الأعضاء، خلال مؤتمر عبر الفيديو يُعقد الأحد، زيادة إضافية تبلغ 411 ألف برميل يوميًا خلال أغسطس.

تحالف مرن

في هذا السياق، يرى محمد يحيى، الباحث والمحلل الاقتصادي، أن السعودية تنظر إلى “أوبك” كتحالف مرن لكنه منضبط، يقوم على التوافق، ومن هذا المنطلق لم تُظهر الرياض أي ردّ فعل تصادمي تجاه قرار أنغولا الانسحاب من المنظمة في عام 2023، بل حرصت على التأكيد أن التكتل النفطي لا يقوم فقط على الأرقام، بل على الثقة والمصالح الاستراتيجية المشتركة.

ويقول يحيى، في حديث خاص لـ”الوئام”، إن السعودية تلعب دور الوسيط بين الدول الأعضاء في “أوبك” لضمان وحدة الصف واتخاذ قرارات توافقية. كما تقود جهود ضبط الأسواق، وموازنة العرض والطلب للحفاظ على استقرار أسعار النفط العالمية، وتنسّق بشكل دائم مع روسيا ضمن إطار “أوبك+”. وكانت المملكة من أبرز مهندسي هذا التحالف الذي يضم دولًا منتجة من خارج المنظمة.

ويضيف أن السعودية تُظهر مرونة في التعامل مع المتغيرات، كخفض الإنتاج عند الضرورة أو زيادته لدعم الأسواق.

المكاسب من الالتزام الجماعي

ويؤكد الباحث الاقتصادي أن “أوبك” ليست مجرد تكتل لضبط العرض، بل أداة لضمان استقرار السوق العالمي والحد من التقلبات، وبالتالي خلق بيئة أكثر جاذبية للاستثمارات النفطية.

ويشير إلى أن الدول التي خرجت من عباءة التنسيق في الماضي وجدت نفسها عاجزة عن التأثير في الأسعار، بل ومهددة بعدم القدرة على جذب رؤوس الأموال.

ويضيف أن المملكة، بما لها من ثقل سياسي واقتصادي، تملك القدرة على إيصال هذه الرسائل، سواء عبر اللقاءات الثنائية أو من خلال المنصات الدولية.

ويحذّر يحيى من الضغوط الخارجية التي تُمارس على بعض الدول النفطية لإضعاف “أوبك”، مشيرًا إلى وجود مؤشرات على استراتيجيات غربية وربما آسيوية تستهدف تقليص نفوذ المنظمة من خلال تحفيز بعض الأعضاء على الانفصال بذريعة “التحرر من القيود”.

ويشدّد على أن السعودية، بحكم موقعها ومكانتها، تدرك أن الحفاظ على تماسك “أوبك+” هو أمر جيوسياسي بقدر ما هو اقتصادي، وهي تعمل على صدّ تلك المحاولات عبر تعزيز التنسيق الثنائي والثلاثي مع الدول المتذبذبة، وبناء شراكات اقتصادية أوسع مع الدول الأعضاء لتقليل اعتمادها على القوى الخارجية، إضافة إلى تقديم مبادرات تفاوض مرنة دون الإخلال باستقرار السوق العالمي.

التوازن بين المرونة والانضباط

ويتابع الباحث: “مع تصاعد الضغوط العالمية على اقتصادات النفط، خاصة في الدول النامية، بات لزامًا على السعودية أن تتبنّى مقاربة أكثر مرونة، تسمح بتفهُّم مخاوف الدول الصغيرة في “أوبك”، دون التفريط بالانضباط الجماعي”.

ويشير إلى أن المملكة تجري بالفعل مراجعات مستمرة لآليات توزيع الحصص، وتسعى لتطوير صيغة أكثر توازنًا تتيح للدول الأقل قدرة ماليًا مساحة أكبر للمناورة، مع الحفاظ على الالتزام العام.

تماسك “أوبك” مسؤولية السعودية

ويشدّد “يحيى” على أن السعودية تدرك أن تماسك “أوبك” لا يقوم فقط على الإنتاج، بل على الثقة والتوازن في توزيع المكاسب. ولهذا، تعمل على إعادة تصميم بعض أدوات الحوار داخل المنظمة، وتوسيع المشاركة في صنع القرار.

ويرى أن انسحاب أنغولا لا يهدد تماسك المنظمة على المدى القريب، لكنه يُعدّ جرس إنذار بشأن الحاجة إلى مقاربة أكثر استيعابًا وتجاوبًا مع التحديات.

ويختتم الباحث الاقتصادي حديثه مؤكدًا: “المملكة العربية السعودية لا تزال تمثّل العمود الفقري لتحالف “أوبك+”، وتحافظ على هدوئها الاستراتيجي في إدارة الأزمات الداخلية، مع ضرورة إبراز المكاسب طويلة الأمد من الالتزام الجماعي، لا سيما الاستقرار السعري وتسهيل الاستثمار.

أما التحديات الجيوسياسية، بما فيها محاولات الإضعاف الخارجي، فتتطلب يقظة دبلوماسية سعودية مضاعفة. وأمام “أوبك+” تحدٍّ حقيقي في الموازنة بين الانضباط والمرونة، والسعودية تملك الأدوات والشرعية لقيادة هذا التحول”.