داء العصر: ما سبب شعور الشباب بالتعب رغم قلة الالتزامات؟

داء العصر: ما سبب شعور الشباب بالتعب رغم قلة الالتزامات؟

الدكتورة ميادة غانم – استشاري الصحة النفسية والدعم النفسي

نسمع شابًا أو شابة يقول “أنا مرهق طوال الوقت.. لا طاقة لي لفعل أي شيء.. حتى التفكير يتعبني”، والمفارقة أن كثيرًا من هؤلاء لا يحملون مسؤوليات أسرية كبيرة، ولا ضغوطًا مادية ساحقة، كما كان الحال لدى الأجيال السابقة.

ومع ذلك، يُظهرون علامات الإرهاق المزمن، اللامبالاة، وفقدان الشغف، فما الذي يحدث فعلًا؟ وهل الإرهاق بلا أسباب واضحة؟ الحقيقة أن هناك أسبابًا خفية:

– الضغوط النفسية الصامتة

شباب اليوم، يعيشون في عالم مفتوح طوال الوقت، يتعرضون لمقارنات مستمرة عبر السوشيال ميديا، لمعايير نجاح غير واقعية، و”مثالية مصطنعة” لحياة الآخرين. كل ذلك يُحدث ضغطًا نفسيًا خفيًا لكنه عميق.

– الخوف من المستقبل في عالم غير مستقر

جيل بأكمله نشأ في ظل أزمات متلاحقة: أوبئة، حروب، انهيارات اقتصادية، تغيّر مناخي، بطالة مرتفعة… فكيف لا يشعر بالتعب؟!
إنهم يتنفسون القلق، حتى دون وعي.

– التحفيز الزائد وانعدام المعنى

تُلاحقهم الشعارات: “كن أفضل نسخة من نفسك”، “ابدأ مشروعك الآن”، “اربح في سن العشرين”، دون أن يُمنحوا فرصة للبطء أو الفهم أو حتى الفشل.

والنتيجة؟ إرهاق من محاولة أن يكونوا مثاليين طوال الوقت، وفقدان المعنى الحقيقي للنجاح.

الإرهاق النفسي… مرض العصر الجديد

الإرهاق هنا ليس عضليًا، بل نفسيًا وعقليًا:

– إرهاق من التفكير المستمر
– إرهاق من محاولة إثبات الذات
– إرهاق من القلق على كل شيء: المظهر، العلاقات، المستقبل، الصورة أمام الناس

إنه جيل يعيش في حالة من “التيقظ العاطفي الدائم”، وكأن الراحة أصبحت ترفًا.

ما الذي يحتاجه هذا الجيل فعلاً؟

– الاعتراف بأن التعب النفسي حقيقي وليس “دلعًا”، فالكلمة الشهيرة: “أنتم مدللون ومتعبون بلا سبب” تُزيد من الألم ولا تعالج شيئًا.
– فرص حقيقية للحوار والمساندة: هم بحاجة لمن يسمعهم دون حكم، يوجههم دون ضغط، يحتويهم لا ينتقدهم.
– إعادة تعريف النجاح والراحة: الراحة ليست فشلًا، والتوقف لا يعني الهزيمة، هم بحاجة لنماذج تلهمهم بالتوازن لا بالإنهاك.

هذا الجيل لا يفتقر إلى القوة، بل يفتقر إلى الهدوء وسط صخب العالم، إنهم متعبون لأنهم يُلاحقون أهدافًا ليست لهم، ويعيشون في سباق لم يختاروا المشاركة فيه، وعلينا أن ننصت إليهم جيدًا، قبل أن ينهاروا بصمت.