بريطانيا المتغيرة: كيف ساهمت الهجرة في إعادة تشكيل المجتمع والاقتصاد؟

الوئام – خاص
تعيش المملكة المتحدة تحوّلاً ديموغرافيًا واقتصاديًا وثقافيًا عميقًا، تقوده موجات الهجرة المتعددة التي أعادت رسم ملامح المجتمع البريطاني.
لم تعد الهجرة مجرد ظاهرة انتقال بشري عابرة، بل أصبحت محورًا أساسيًا في إعادة تعريف الهوية الوطنية وصياغة مستقبل البلاد في ظل التحديات العالمية المتسارعة.
مساهمات اقتصادية لا يمكن تجاهلها
يلعب المهاجرون دورًا محوريًا في تحريك عجلة الاقتصاد البريطاني، حيث تعتمد قطاعات حيوية على وجودهم. فالنظام الصحي الوطني (NHS) يتكئ بشكل كبير على الكوادر الطبية من أصول مهاجرة، ويمتد هذا الدور إلى مجالات النقل والرعاية الاجتماعية والبناء والضيافة.
وفي السياق ذاته، يقول الباحث في الشأن الدولي أحمد عبدالله، أن “بريطانيا تتميز باقتصاد قوي ومتنوع، يمنح المهاجرين فرصًا واسعة للنمو المهني والاندماج السريع”، مشير إلى أن “الرواتب المجزية، والدعم الاجتماعي، يجعلان من مستوى المعيشة في المملكة المتحدة من بين الأعلى في أوروبا”.
فرص للمؤهلين والطموحين
لا تقتصر المساهمة على أصحاب المهن المتوسطة أو اليدوية، بل تشمل أيضًا أصحاب الكفاءات العالية، لاسيما في تكنولوجيا المعلومات، والتمويل، والطب، والهندسة، والتعليم العالي. ويؤكد عبدالله أن “أصحاب الكفاءات يجدون فرصًا حقيقية لبناء مستقبل مهني مستقر، ضمن بيئة عمل عادلة ومنظمة.”
مناخ اقتصادي جاذب للمشاريع
بريطانيا كذلك وجهة رئيسية لأصحاب الأعمال والمبادرين. فالبيئة التشريعية والتنظيمية مرنة، وتتيح الوصول إلى الأسواق العالمية بسهولة. وتوضح الباحثة أن “الدولة تقدم تسهيلات للمهاجرين من أصحاب المشاريع الريادية، وتمنحهم أدوات للنمو في مناخ استثماري واعد”.
بوابة نحو الاندماج
يمثل التعليم أحد أهم أعمدة الجذب في المملكة المتحدة، حيث تضم جامعات عريقة مثل أوكسفورد وكامبريدج، وتجذب آلاف الطلبة من جميع أنحاء العالم. ولا يقتصر التعليم على الجانب الأكاديمي فقط، بل يشمل دعمًا للبحث العلمي والابتكار، في بيئة متقدمة تقنيًا ومدعومة ماليًا.
يتمتع المقيمون، بمن فيهم المهاجرون، بإمكانية الحصول على رعاية صحية مجانية من خلال هيئة الصحة الوطنية (NHS). ويؤكد الباحث أن “الدولة تقدم برامج دعم فعالة للأسر وكبار السن وذوي الإعاقة، مما يرسخ العدالة الاجتماعية”.
ويُضيف عبدالله، في تصريحاته لـ”الوئام”، تُعد لندن نموذجًا عالميًا للتعددية الثقافية، حيث يعيش المهاجر في بيئة تسمح له بالتعبير عن هويته والانتماء لوطن جديد دون التخلي عن جذوره، وتابع “المهاجر هناك ليس غريبًا، بل جزءٌ من نسيج غني يعكس التنوع والانسجام الاجتماعي”.
الجدل السياسي
وأوضح عبدالله، أن الهجرة تمثل موضوعًا حساسًا في النقاشات السياسية البريطانية، وخصوصًا منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016.
وتوظف بعض القوى السياسية هذا الملف لإثارة مخاوف تتعلق بالهوية والأمن، في حين تدافع أصوات أخرى عن دور المهاجرين في تجديد المجتمع وتعزيز الانفتاح.