إبراهيم تراوري: الشاب الذي أصبح رمزًا إفريقيًا لمناهضة النفوذ الغربي.

خاص – الوئام
وسط مشهد إفريقي مثقل بالتدخلات الأجنبية والإخفاقات المتكررة في تحقيق التنمية والسيادة، يبرز إبراهيم تراوري كرجل مرحلة جديدة، يحمل على عاتقه مشروعًا رمزيًا لاستعادة القرار الوطني وترسيخ استقلال حقيقي عن القوى الغربية.
لم يأتِ من صفوف النخبة السياسية التقليدية، بل من عمق المؤسسة العسكرية، مستندًا إلى إرث ثوري يتجلى في استحضار روح توماس سانكارا، الزعيم الذي لا تزال ذكراه حيّة في وجدان الشعوب الإفريقية.
صعود تراوري لا يُقرأ فقط في سياق محلي، بل في لحظة إقليمية تتوق فيها الشعوب إلى وجوه صادقة تعيد الاعتبار لفكرة التحرر وتقطع مع إرث التبعية المزمن. وبين احتفاء شعبي داخلي وحراك تضامني خارجي، يتحوّل الرجل إلى رمز عابر للحدود في مرحلة تعيد رسم ملامح العلاقة بين إفريقيا والعالم.
ضابط صغير يتحول إلى رمز
قبل ثلاث سنوات فقط، كان إبراهيم تراوري ضابطًا صغيرًا في صفوف الجيش البوركيني. أما اليوم، ووفق ما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال، فقد أصبح رمزًا سياسيًا تتردد أصداؤه في القارة كوجه جديد للمقاومة الإفريقية ضد النفوذ الغربي، وسط هالة شعبية امتدت من واغادوغو إلى جامايكا.
تولى السلطة عام 2022 بعد الإطاحة بالقيادة العسكرية السابقة، ومنذ ذلك الحين، حصد تأييدًا شعبيًا قلّ نظيره منذ عهد نيلسون مانديلا وزعماء التحرر الوطني.
مقاومة جديدة للهيمنة الغربية
في ظل تصاعد الغضب من النفوذ الأجنبي، يرى كثيرون في تراوري تجسيدًا لمقاومة الهيمنة الغربية، لا سيما الفرنسية، في منطقة الساحل.
ورغم محاولات روسيا التقرب منه، يسعى تراوري لإحياء حلم “الوحدة الإفريقية” على نهج توماس سانكارا، وليس مجرد الارتماء في أحضان موسكو. وقد أثارت مواقفه إعجاب الشباب والطبقات الفقيرة، الذين سئموا القادة التقليديين.
دعم شعبي واسع
خرج الآلاف في العاصمة واغادوغو في أبريل الماضي لدعم تراوري بعد محاولة انقلاب فاشلة. كما امتدت موجات التأييد إلى خارج البلاد، بتنظيم مظاهرات في لندن وجامايكا، رفعت شعارات مثل “أبعدوا أيديكم عن ثروات إفريقيا”، بينما ظهرت صور تراوري على مركبات التوك توك في نيروبي، ما يدل على عمق شعبيته في شرق القارة.
استلهام من تجربة سانكارا
يستلهم تراوري الكثير من تجربة الزعيم الراحل توماس سانكارا، الذي غيّر اسم البلاد من “فولتا العليا” إلى “بوركينا فاسو” (أرض الرجال الشرفاء).
وقد تصدّرت صورة تراوري إلى جانب سانكارا إحدى الصحف التابعة لحركة “أمة الإسلام” في الولايات المتحدة، ما يعكس رمزيته العابرة للحدود.
الأمن أولاً… لكن النتائج متباينة
تسلّم تراوري السلطة متعهّدًا بإعادة الأمن بعد الإطاحة بزعيم عسكري كان قد أطاح بدوره بحكومة مدنية. ورغم وعود تحسين الوضع الأمني، تشير تقارير مركز الدراسات الاستراتيجية الإفريقية التابع للبنتاغون إلى تصاعد العنف المسلح بعد توليه الحكم.
وفي خطوة رمزية، أمر بخروج القوات الفرنسية وعلّق التعاون مع الولايات المتحدة، وبدأ بإعادة صياغة عقود التنقيب عن الذهب لضمان حصة أكبر للدولة، وأطلق مشاريع زراعية وصناعية مثل توزيع المعدات للمزارعين، وبناء مصنع لتعليب الطماطم ومصفاة للذهب، في محاولة لرفع القيمة الاقتصادية داخل البلاد.
إصلاحات زراعية وكسب ولاء الريف
كسب تراوري دعم سكان الأرياف من خلال سياسات إعادة توزيع الأراضي التي ألغت امتيازات الشركات الزراعية، وأعادت الاعتراف بحقوق المجتمعات التقليدية.
وقد لاقت هذه الخطوات صدى إيجابيًا بين الشباب، خصوصًا مع وعود بتوفير التدريب وفرص العمل الزراعي.
قلق من توجهات سلطوية
رغم حضوره الشعبي، تُبدي النخب الحضرية من إعلاميين وأكاديميين ونشطاء قلقًا من توجهات تراوري السلطوية، خاصة بعد تأجيل الانتخابات من 2024 إلى 2029، بحجة انعدام الأمن في أغلب المناطق، ما أثار مخاوف من ترسيخ حكم عسكري طويل الأمد.
علاقة محسوبة مع موسكو
زار تراوري موسكو مؤخرًا وحضر عروضًا عسكرية، لكنه لم يسمح ببقاء القوات الروسية طويلًا في البلاد، إذ غادرت مجموعة مرتزقة روسية بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه الحكم، ما يشير إلى سعيه لتجنّب ارتهان جديد وللحفاظ على السيادة الوطنية.
انتهاكات أمنية وتحديات مقبلة
ورغم وعوده بتحسين الأمن، ارتفعت وتيرة العنف، ووقعت مجازر على يد جماعات مسلحة، أبرزها مذبحة “بارسالوغو”. كما وُجهت اتهامات إلى الجيش بارتكاب انتهاكات خطيرة، منها القتل خارج القانون واعتقال المعارضين والتجنيد القسري، مستندًا إلى قانون الطوارئ.
اختبار الشعبية والشرعية
يرى محللون أن شعبية تراوري الاستثنائية حاليًا قد تتراجع إذا لم تتحسن الظروف الأمنية والمعيشية.
فرغم الهتافات باسمه في المدن والقرى، يبقى التحدي الحقيقي في ترجمة الشعارات إلى واقع ملموس يُقنع المواطن بأن التغيير ليس في الأشخاص فقط، بل في السياسات والنتائج.