ألمانيا تسعى لإنشاء أقوى جيش في أوروبا في ظل التغيرات الأمنية والجيوسياسية.

ألمانيا تسعى لإنشاء أقوى جيش في أوروبا في ظل التغيرات الأمنية والجيوسياسية.

في تحوّل غير مسبوق، أعلنت الحكومة الألمانية عن خطة طموحة لتحويل جيشها إلى الأقوى في القارة الأوروبية، في ظل تصاعد التهديدات الأمنية وتغير أولويات الحلفاء، وخاصة الولايات المتحدة.

وجاء هذا التحرك بعد تصريحات مثيرة للجدل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب في بداية ولايته الجديدة، حيث قال إنه “لن يدافع عن دول لا تفي بالتزاماتها الدفاعية”، في إشارة إلى ألمانيا التي لم تلتزم لسنوات طويلة بإنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، كما تنص معايير حلف الناتو.

تمويل ضخم وتعديل دستوري

وبعد شهرين من تصريحات ترامب، ألقى المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرتس خطابًا تاريخيًا أمام البرلمان، أعلن فيه أن تعزيز القدرات العسكرية بات “أولوية وطنية قصوى”، مشيرًا إلى أن الحكومة الفيدرالية ستوفر للجيش كل ما يحتاجه ليصبح “أقوى قوة مسلحة في أوروبا”، بما يتناسب مع مكانة ألمانيا كأكبر اقتصاد وأكثر الدول سكانًا في القارة.

ومن أجل تمويل هذه الخطوة، أعلنت الحكومة عن تعليق “قاعدة التوازن المالي” في دستور البلاد، ما يسمح لها بالاقتراض خارج الموازنة العامة، وتخصيص نحو 400 مليار دولار حتى عام 2029 لتعزيز الدفاع والبنية التحتية، دون المساس بالبرامج الاجتماعية.

تحوّل ثقافي بطيء ولكن حتمي

وتقول الخبيرة في شؤون الأمن عبر الأطلسي في “صندوق مارشال الألماني”، كلاوديا مايور، إن الإنفاق المخطط له — والذي يصل إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعادل تقريبًا الإنفاق الدفاعي الأميركي — يُعد خطوة جريئة وغير مسبوقة في السياق الألماني. لكنها شددت على أن “تغيير الثقافة الوطنية تجاه الجيش يحتاج إلى جيل كامل”.

القطاع الصناعي الدفاعي يستعد

في منطقة صناعية قرب ميونيخ، تواصل شركة “كوانتوم سيستمز” إنتاج طائرات الدرون من طراز “Vector”، والتي تُستخدم في أوكرانيا وداخل الجيش الألماني، وكذلك من قِبل الشرطة وحرس الحدود في أوروبا. وقالت مديرة العمليات في الشركة، ألكسندرا ريتنباخ، إن الطلب على هذه الطائرات شهد ارتفاعًا كبيرًا نتيجة الحرب في أوكرانيا.

وأشار مدير المبيعات مارتن كاركور إلى أن الشركة تضاعف مبيعاتها وعدد موظفيها سنويًا. وقال: “شراء الأسلحة هو الجزء السهل… التحدي الأكبر هو بناء ثقافة وطنية تؤمن بالخدمة العسكرية”.

تحسن في نظرة الألمان للجيش

في معرض توظيف أقيم في برلين، قال ماركو مان، وهو مجنّد في الجيش الألماني منذ 18 عامًا، إن المجتمع بدأ يُظهر تقديرًا أكبر للجيش، خصوصًا لدوره في دعم أوكرانيا.

وألمانيا اليوم ثالث أكبر مزود عسكري لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة وبريطانيا، وتقدّم أنظمة دفاع متطورة مثل دبابات “ليوبارد 2” ومنظومات “IRIS-T”، فضلًا عن استضافة 1.2 مليون لاجئ أوكراني.

الجيل الجديد ينخرط

من بين المتقدمين بطلبات الانضمام للجيش، كان عبد الرحمن سعيد (32 عامًا)، ألماني من أصول باكستانية، مهتم بالانضمام كمختص في الأمن السيبراني. وقال إن ألمانيا وفرت له تعليمًا مجانيًا ورعاية صحية، ويرى أن “رد الجميل” للمجتمع من خلال الجيش فرصة متبادلة.

ومع تدفق الأموال وبدء جهود التجنيد، تأمل “البوندسفير” (الجيش الألماني) في استعادة هيبته داخليًا وخارجيًا، والتأكيد على أن ألمانيا باتت مستعدة لتحمّل مسؤولية الأمن الأوروبي في عصر متغير.