إدارة الأزمات واستدامة الأعمال في مكان العمل

الدكتور سامح عادل – استشاري التدريب والتطوير المؤسسي
تتأثر منطقة الشرق الأوسط بين الحين والآخر بتوترات سياسية وجيوسياسية قد تنعكس مباشرة على بيئة الأعمال، كما هو الحال مع التصعيد وما شهدناه في المواجهة بين إيران وإسرائيل، ورغم أن هذه المواجهات تدور في الأغلب خارج حدود الأسواق الكبرى في المنطقة، لكن “ظلال التوتر” تلقي بآثارها بوضوح على الاستقرار الإقليمي، وأسعار الطاقة، وثقة المستثمرين، وسلاسل الإمداد.
وبشكلٍ عام، لم تعد الأزمات استثناءً، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الواقع العملي، من الكوارث الطبيعية إلى الانقطاعات التكنولوجية، ومن الأزمات المالية إلى السمعة المؤسسية، تتزايد التحديات التي تواجه المؤسسات، مما يجعل وجود منظومة فعالة لإدارة الأزمات واستمرارية الأعمال ضرورة استراتيجية لا غنى عنها.
مفهوم إدارة الأزمات: تشير إدارة الأزمات إلى مجموعة من السياسات والإجراءات المنظمة التي تهدف إلى التعامل مع المواقف الطارئة التي قد تهدد استقرار المؤسسة أو سمعتها أو قدرتها على الاستمرار في تقديم خدماتها؛ وهي لا تقتصر على الاستجابة السريعة عند وقوع الحدث، بل تشمل أيضاً مراحل متعددة تبدأ بالتخطيط وتنتهي بالتعافي والتعلم من التجربة.
ومن أبرز مراحل إدارة الأزمات:
– الاستعداد المسبق: يشمل إعداد خطط الطوارئ، وتدريب الكوادر، وتوفير الموارد اللازمة للتعامل السريع والفعّال مع السيناريوهات المحتملة.
– رصد الإشارات المبكرة: إذ إن الأزمات غالبًا ما تُرسل إنذارات مبكرة يمكن التقاطها وتحليلها لتقليل أثرها قبل أن تتفاقم.
– الاستجابة السريعة: من خلال تفعيل خطط الطوارئ، وتنسيق الجهود داخليًا وخارجيًا، وتوجيه الرسائل الاتصالية بطريقة مدروسة.
– التعافي وإعادة التقييم: حيث يتم استئناف الأنشطة الرئيسية وتحليل الأداء واستخلاص الدروس لتعزيز الجاهزية المستقبلية.
استمرارية الأعمال: المرونة المؤسسية في وجه العواصف
تُعنى استمرارية الأعمال (Business Continuity) بضمان قدرة المؤسسة على الاستمرار في أداء مهامها الحيوية خلال الأزمات وبعدها، مع الحفاظ على الحد الأدنى من التشغيل وتفادي الانقطاع الكامل.
وتشمل أهم مكوناتها:
– تحليل الأثر على الأعمال (BIA) لتحديد الوظائف الحيوية وترتيبها حسب الأولوية.
– تقييم المخاطر ووضع استراتيجيات فعالة للحد من تأثيرها.
– تطوير خطط مرنة تشمل الموارد البشرية، والتكنولوجيا، وسلاسل الإمداد، والبنية التحتية.
– إجراء اختبارات دورية وتحديث الخطط للتأكد من فعاليتها وواقعيتها.
التكامل بين إدارة الأزمات واستمرارية الأعمال
القوة الحقيقية لا تكمن في كل من إدارة الأزمات واستمرارية الأعمال على حدة، بل في دمجهما داخل إطار تشغيلي واستراتيجي متكامل يحقق ما يلي:
– تقليل الخسائر المالية والتشغيلية.
– حماية السمعة المؤسسية وتعزيز ثقة الأطراف المعنية.
– تعزيز ثقافة الوعي والمرونة داخل المؤسسة.
– تسريع العودة إلى الأداء الطبيعي بأقل تكلفة ممكنة.
ختامًا، المؤسسات الناجحة، اليوم لا تعتمد على ردود الفعل اللحظية، بل على البنية الذهنية والتنظيمية التي تؤهلها لمواجهة ما لا يُتوقع؛ فالأزمة لا تعني النهاية، بل هي اختبار لمدى استعداد المؤسسة للصمود، وإعادة التكيف، والانطلاق من جديد بأكثر قوة وثبات.
ويبقى السؤال الأهم، هل نحن مستعدون لما لا يمكن التنبؤ به؟