تحالفات جديدة وبيئة أكثر تهديدًا: سباق التسلح مع روسيا والصين ينطلق من لاهاي

خاص – الوئام
في قلب مقر حلف الناتو في بروكسل، تقف رموز صامتة تذكّر بتاريخ الحلف ودوافع تأسيسه؛ جزء من جدار برلين يرمز للمواجهة مع الاتحاد السوفيتي، وقطعة من برج التجارة العالمي تشير إلى الهجوم الذي وحّد الحلفاء تحت بند “الهجوم على واحد هو هجوم على الجميع”. هذه الرموز تختصر مهمة الناتو الممتدة منذ أكثر من سبعة عقود: حماية الحرية وتعزيز الأمن الجماعي بين ضفتي الأطلسي.
واليوم، أمام عالم يزداد خطورة، وتهديدات تتنامى من روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية، بات الناتو أمام لحظة فارقة تستوجب إعادة تقييم للوسائل والاستراتيجيات لضمان استمرارية الردع والقدرة على الدفاع.
روسيا والصين
وفق ما نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأميركية، أعادت روسيا الحرب إلى أوروبا بتحالفها مع دول مناهضة للنظام العالمي، على رأسها الصين. وبرغم أن نهاية حرب أوكرانيا لم تأتي بعد، فإن التهديد الروسي مستمر، إذ تُعيد موسكو بناء قوتها العسكرية بسرعة تفوق التوقعات، بدعم تقني من بكين.
في المقابل، تمضي الصين في تحديث جيشها بوتيرة متسارعة، وتُعد اليوم صاحبة أكبر قوة بحرية في العالم، وتسعى لامتلاك أكثر من 1000 رأس نووي بحلول عام 2030، ما يجعلها خصمًا استراتيجيًا مباشرًا يتحدى قيم ومصالح الناتو.
لا وقت للانتظار
في مشهد يُذكّر بتحذيرات ونستون تشرشل، أحد أبرز الشخصيات السياسية في التاريخ البريطاني قبل الحرب العالمية الثانية، يدعو قادة الناتو إلى عدم التراخي. فالتحديات القادمة لا تُواجه بالأمنيات، بل بالتحضيرات الفعلية.
ولذا، يستعد الحلف لاعتماد إجراءات غير مسبوقة في قمته القادمة في لاهاي لتعزيز دفاعاته الجماعية.
التهديدات باتت واضحة، والمعسكر المناهض للحرية يُعد نفسه لمواجهة طويلة، والخيار أمام الحلفاء ليس سوى الاستعداد الكامل والدائم.
قفزة نوعية في الاستثمار الدفاعي
سيشهد هذا العام التزام جميع أعضاء الحلف بإنفاق 2% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، تطبيقًا لتعهدات قمة ويلز عام 2014.
لكن الجديد هو الدفع نحو رفع هذا الإنفاق إلى 5%، وهو ما يشكل قفزة نوعية تهدف إلى تلبية متطلبات الدفاع الجديدة وتوسيع القدرات المستقبلية.
الهدف ليس رمزيًا، بل مستند إلى تقييمات عسكرية دقيقة تُظهر أن الردع الحقيقي يتطلب معدات متطورة، وذخائر كافية، وقوة بشرية مدربة وجاهزة.
تعزيز القدرات الميدانية والتكنولوجية
تُعد منظومات الدفاع الجوي، والمركبات المدرعة، والذخائر، والنقل اللوجستي، من أبرز أولويات الحلف الجديدة.
ويعمل الناتو على مضاعفة قدراته في هذه المجالات، إلى جانب توسيع الاستثمار في المجالات الناشئة كالأمن السيبراني، وتكنولوجيا الفضاء، والذكاء الاصطناعي.
ولضمان الجاهزية، يركّز الحلف على تطوير البنية التحتية المدنية مثل السكك الحديدية والموانئ، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، لضمان سرعة الحركة العسكرية عند الحاجة.
نهضة صناعية دفاعية عبر الأطلسي
لا يملك الناتو رفاهية الاكتفاء بالمخزونات الحالية. المطلوب هو إعادة إحياء القاعدة الصناعية الدفاعية، وزيادة الإنتاج العسكري، وتحفيز التعاون الصناعي بين الحلفاء.
من المهم أن يثبت الحلف قدرته، ليس فقط على القتال، بل على الاستمرار والإنتاج بوتيرة تفوق خصومه.
وتُعد مبادرات مثل “Task Force X Baltic” نموذجًا لهذا التوجه، حيث يُدمج الذكاء الاصطناعي بالعمليات البحرية ويُعزز الأمن تحت البحار.
منطق القوة من أجل السلام
تؤمن قيادة الناتو بأن الاستثمار الدفاعي لا يعزز الأمن فقط، بل يُساهم في تحفيز النمو الاقتصادي وخلق الوظائف.
ومع ارتفاع الطلب على المعدات والخدمات العسكرية، تُرسل قمة لاهاي رسالة واضحة للصناعات الدفاعية: الحلف مستعد للإنفاق، والمطلوب هو الالتزام بالوتيرة والطموح ذاته.
ورغم التحديات المالية والسياسية، فإن الأمن هو حجر الأساس لأي ازدهار. ومن دون ردع حقيقي، لا يمكن ضمان الحرية، ولا نمط الحياة الذي تسعى شعوب الحلف للحفاظ عليه.
نحو حلف أكثر عدالة وشمولًا
إلى جانب القوة، يسعى الناتو ليكون أكثر عدالة في تقاسم المسؤوليات. فلطالما حملت الولايات المتحدة العبء الأكبر، لكن أوروبا وكندا باتتا أكثر انخراطًا، عبر قيادة المهمات، والمساهمة في دعم أوكرانيا، وتولي أدوار قيادية في مهمات الحلف الأخرى.
وتشير قيادة الحلف إلى أن هذا التوازن في الأعباء يجب أن يستمر، فالناتو أقوى حينما يعمل الجميع معًا ويتشاركون المسؤولية والقرار.
الاستعداد للسلام عبر القوة
يستعد الناتو لتوجيه رسالة قوية من لاهاي: نحن مستعدون؛ فالحلف الذي نشأ لحماية السلام، يدرك اليوم أن الطريق إلى السلام يمر عبر الجاهزية للحرب.
وبينما ترفرف أعلام 32 دولة أمام مقره، تُثبت هذه الدول أن الوحدة، لا الضعف، هي السلاح الأقوى في وجه الخطر.
من الحرب الباردة إلى هجمات 11 سبتمبر، أثبت الناتو أن تحالف الديمقراطيات قادر على الصمود والتجدد؛ واليوم، هو يستعد لجولة جديدة من التحديات، بهدف واحد: حماية السلام عبر القوة.