نبات الحمّيض وأزهار البرية في السعودية: رموز الربيع التي تعزز الاستدامة البيئية وتحافظ على التراث

نبات الحمّيض وأزهار البرية في السعودية: رموز الربيع التي تعزز الاستدامة البيئية وتحافظ على التراث

مع مطلع كل ربيع، تكسو الأزهار البرية صحراء المملكة العربية السعودية بطبقات من الألوان والروائح العطرة، معلنة بداية موسم التجدد ومؤدية دورًا محوريًا في حماية التنوع البيولوجي وتعزيز الإرث الثقافي.

وسط هذه اللوحة الطبيعية، تبرز نبتة “الحمّيض” — أو Rumex vesicarius — كنموذج للنباتات المحلية التي تسهم في استدامة البيئة الصحراوية. وتنتمي هذه النبتة العشبية السنوية إلى فصيلة الحماضيات، وتنمو بشكل طبيعي في الرمال القاحلة، لا سيما في المناطق الجنوبية من المملكة، وتتميز بأوراقها المثلثة الخضراء وأزهارها الحمراء أو الخضراء.

نبتة صحراوية مقاومة ومغذية
تقول أروى العتيبي، الباحثة المتخصصة في النباتات البرية، إن “الحمّيض” قادر على التكيف مع الظروف المناخية القاسية في السعودية، وهو قليل الحاجة إلى الماء، ما يجعله مثاليًا للمناخ الصحراوي والمناطق الحضرية الجافة. وتضيف: “ينتشر بشكل خاص في الجنوب حيث الأمطار أكثر انتظامًا، ويليه انتشارٌ في مناطق الحجاز ونجد والشمال”.

ويحظى “الحمّيض” بمكانة بارزة في المطبخ السعودي، خصوصًا في منطقة جازان، حيث يُستخدم في إعداد أطباق حامضة الطعم. ويمكن تناوله نيئًا مع الخبز، أو مطبوخًا ضمن يخنات تقليدية. ويمتاز النبات بغناه بفيتامين C، ومساعدته في الهضم وتقليل احتباس السوائل في الجسم.

رمز موسمي وثقافي
“جاء الربيع مع قدوم الحمّيض”، مثلٌ شعبي سعودي يعكس مدى ارتباط هذه النبتة بموسم الربيع وتجدد الطبيعة. ويمتد أثرها إلى المجال البيئي، حيث تسهم كغطاء نباتي في تثبيت التربة، ومقاومة التعرية، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، فضلًا عن دعم التنوع الحيوي من خلال توفير الغذاء للحيوانات مثل الأغنام والإبل والأرانب.

وتوضح العتيبي: “الحمّيض ليس مجرد نبتة برية، بل رمز للاستدامة والارتباط بالأرض والتقاليد”.

أزهار برية… وأدوار بيئية متعددة
تمتد ظاهرة ازدهار الأزهار البرية لتشمل مختلف مناطق المملكة، من سهول الجوف في الشمال بعد هطول الأمطار الشتوية، إلى مرتفعات عسير والباحة بجوّها البارد وتنوعها النباتي الكبير، مرورًا بجازان ونجران وما تضمانه من أودية وجبال غنية بالنباتات البرية.

وفي حديثه لـ”عرب نيوز”، يقول أليستين فان جوشوا، الشريك المؤسس للجمعية النباتية السعودية، إن “النباتات البرية تزهر كل ربيع في أنحاء المملكة، ويختلف توقيت الإزهار حسب نوع النبات وارتفاع المنطقة، لكن عموماً يبدأ من فبراير إلى أبريل”.

ويضيف أن هذه النباتات تساعد في مكافحة التصحر واستعادة التوازن البيئي، بفضل قدرتها على النمو في البيئات الرملية والوديان القاحلة بقليل من الماء.

إرث بيئي وثقافي متجدد
لا تقتصر أهمية النباتات المحلية على الفوائد البيئية، بل تشمل أيضًا الجوانب الثقافية والدوائية. ويقول فان جوشوا إن العديد من هذه النباتات تستخدم في الطب الشعبي، وتزيّن المناسبات الاجتماعية، خصوصًا في مناطق مثل نجران وعسير وجازان.

ويؤكد: “إحياء الغطاء النباتي المحلي يعكس التزامًا عميقًا بحماية الطبيعة، وتحسين جودة الحياة، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وتحقيق أهداف الوصول للحياد الصفري”.

نحو مستقبل أخضر
وتُعد حماية هذه النباتات عنصرًا محوريًا في مبادرات “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر”. حيث تهدف الأولى إلى زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة، وتأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، بينما تطمح الثانية إلى زراعة 50 مليار شجرة إقليمياً.

وتقول منيرة الحزاني، الرئيسة التنفيذية للجمعية النباتية السعودية: “في مواجهة الجفاف والحر الشديد وليالي الصحراء الباردة، تقف هذه النباتات بصمت، قوية وصبورة، تعكس رحلتنا نحن أيضاً بكل ما نحمله من تحديات وأمل”.

وتتابع: “ورغم قوتها الظاهرة، يبقى هناك قلق دفين من أن تتلاشى بصمت إن لم نحمِها… لكننا، بحبنا للأرض، نستمر بالسير نحو مستقبلٍ أكثر خضرةً واستدامة”.