الناتو يتطور تحت تأثير ترامب: زيادة في الإنفاق ووعود غير مؤكدة

مع اقتراب قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأسبوع المقبل، يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تحقيق نصر دبلوماسي كبير، ويبدو أن القادة الأوروبيين مستعدون لتقديمه له على طبق من فضة. ومع ذلك، لا ضمانات بأن ذلك سيكون كافيًا لإرضائه.
نقلة نوعية في الإنفاق الدفاعي
من المنتظر أن يعلن الحلف، الذي يضم 32 دولة، عن تعهّد تاريخي بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي — 3.5% منها ستُخصص للإنفاق العسكري المباشر، و1.5% لمجالات دفاعية أوسع. ويُنظر إلى هذا التعهّد على أنه لحظة فارقة في إعادة التوازن للعبء الدفاعي بين ضفتي الأطلسي، ويمنح ترامب – الذي طالما طالب أوروبا بتحمل المزيد – فرصة لإعلان “نصر خارجي”.
وقال مسؤول في إدارة ترامب، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: “ما كانوا ليوافقوا على 5% لولا ترامب، وهو يرى ذلك إنجازًا كبيرًا، وهو كذلك بالفعل”.
ومن المقرر أن يلقي ترامب خطابًا ختاميًا في القمة يوم الأربعاء، يسلّط فيه الضوء على دوره في تحقيق هذا التعهّد. غير أن هذا “الإنجاز” لن يمنعه من الضغط لمزيد من الزيادات، وبوتيرة أسرع — وهو أمر تعارضه بعض الدول الحليفة مثل إسبانيا، التي تسعى لاستثناء من التعهّد الجديد كونها الأقل إنفاقًا عسكريًا ضمن الحلف.
اختزال القمة لتفادي المفاجآت
حرص منظمو القمة على تبسيط جدول الأعمال إلى الحد الأدنى لتفادي أي توتر غير مرغوب فيه. فبدلاً من يومين، ستُعقد القمة خلال 24 ساعة فقط في لاهاي، وتتمحور بالكامل حول التعهّد الدفاعي الجديد. ولا اجتماعات مطوّلة، ولا بيانات ختامية مفصّلة، بل مجرد عشاء ترحيبي في قصر العائلة الملكية الهولندية، واجتماع واحد لمجلس شمال الأطلسي.
وقال مسؤول دفاع أوروبي: “يجب أن يحصل ترامب على الفضل في اتفاق الـ5%. هذا هو سبب القمة أصلاً، وكل ما عدا ذلك تم تقليصه لتقليل المخاطر”.
هوّة حول الجداول الزمنية
الخلاف الأبرز بين الحلفاء لا يتمثل في مبدأ الزيادة، بل في موعد تنفيذها. الولايات المتحدة ودول أوروبا الشرقية التي تجاوزت بالفعل نسبة 3.5%، تطالب بجعل عام 2030 موعدًا نهائيًا، بينما تدفع دول أصغر مثل بلجيكا وإيطاليا وإسبانيا لتمديد المهلة حتى 2035.
واقترح الأمين العام للحلف مارك روته عام 2032 كحل وسط، لكن الضغوط من الدول الصغيرة قد تدفع إلى تمديد المهلة رسميًا حتى 2035، بحسب مسؤول أوروبي مطلع على المفاوضات الجارية.
ورغم هذه الخلافات، يتفق الجميع على ضرورة الحفاظ على وحدة الصف أمام التحديات الكبرى، وعلى رأسها الحرب المستمرة في أوكرانيا، وتحولات السياسة الخارجية الأميركية نحو آسيا والشرق الأوسط.
قضية أوكرانيا خارج الصورة
المفاجئ في قمة هذا العام هو تهميش ملف أوكرانيا، إذ لم يُوجه دعوة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلا لحضور عشاء الافتتاح، ولن تُعقد جلسة لمجلس أوكرانيا-الناتو، على عكس ما طالبت به عدة دول. ويفسّر مراقبون ذلك بأنه تنازل إضافي لترامب، الذي لم يفِ بوعده الانتخابي بشأن إنهاء الحرب.
إنفاق دفاعي.. لحماية أوروبا وإرضاء ترامب
رغم أن التزامات الإنفاق تبدو موجهة لإرضاء ترامب، فإنها في جوهرها تعكس إدراكًا أوروبيًا متزايدًا لحجم المخاطر الإقليمية، لا سيما مع استمرار الحرب في أوكرانيا. وكان روته قد تحدث خلال خطاب في معهد “تشاتهام هاوس” بلندن عن الحاجة إلى زيادة ضخمة في قدرات الحلف الدفاعية: “نحن بحاجة إلى زيادة بنسبة 400% في الدفاعات الجوية والصاروخية، وآلاف المدرعات والدبابات، وملايين القذائف المدفعية، ومضاعفة قدراتنا اللوجستية والطبية”.
معايير عالمية جديدة؟
إلى جانب الناتو، تضغط إدارة ترامب على دول أخرى غير أعضاء في الحلف لزيادة إنفاقها العسكري، مثل اليابان، التي تسعى لإبرام اتفاق تجاري جديد مع واشنطن. وتصف وزارة الدفاع الأميركية نسبة 5% بأنها “معيار عالمي جديد”، رغم أنه حتى الولايات المتحدة نفسها لا تنفق سوى 3.4%.
مخاوف من تكرار سيناريو 2018
يسعى القادة الأوروبيون إلى تفادي تكرار مشهد قمة الناتو في بروكسل عام 2018، حين هدد ترامب بالانسحاب من الحلف ما لم يلتزم الأعضاء بزيادة إنفاقهم إلى 2%. وقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 إلى تسريع التزامات العديد من الدول، بل وشجع دولاً مثل السويد وفنلندا على الانضمام للحلف بعد عقود من الحياد.
وبينما يرى البعض في قمة لاهاي لحظة محورية لإعادة هيكلة عبء الدفاع في الحلف، فإن آخرين يعتبرونها مجرد خطوة أخرى في مسار طويل نحو “أوروبة الناتو” وتقاسم الأعباء.
وكما قال السفير الأميركي السابق لدى الناتو، إيفو دالدر: “الآن بات لدينا خريطة طريق نحو أوربة الناتو لم تكن موجودة من قبل، وهذا ما سيجعل الحلف أكثر نجاحًا في المستقبل.”