أمريكا تستعد لـ “ركود كبير”

أمريكا تستعد لـ “ركود كبير”

أصدر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الأربعاء، توقعاته الاقتصادية المحدثة، والتي كشفت عن تحولات لافتة في رؤيته لمسار الاقتصاد خلال الفترة المقبلة، حيث أبقى على أسعار الفائدة دون تغيير، لكنه رفع من توقعاته لكل من معدلات التضخم والبطالة، مما يعزز المخاوف من احتمالية حدوث ما يُعرف بالركود التضخمي، وهي الحالة التي يتزامن فيها تباطؤ النمو الاقتصادي مع ارتفاع الأسعار.

ورغم التوجه نحو خفض متوقع في أسعار الفائدة خلال ما تبقى من العام – بمقدار نصف نقطة مئوية – إلا أن الفيدرالي أبدى حذرًا واضحًا في التحرك، إذ تشير خارطة التوقعات إلى انقسام بين أعضائه حول جدوى هذا الخفض، في ظل بقاء التضخم أعلى من المستويات المستهدفة، واستمرار سوق العمل في إظهار تماسك نسبي.

تقديرات الفيدرالي الجديدة أظهرت أن معدل البطالة سيرتفع إلى 4.5% بنهاية 2025، مقارنة بـ4.2% في مايو الماضي، وهي نسبة أعلى مما كان متوقعًا في مارس، مع الإشارة إلى استمرار هذا المعدل حتى عام 2027. ورغم هذا الارتفاع، لا يرى مسؤولو الفيدرالي أن سوق العمل على وشك الانهيار، ما يمنحهم، برأيهم، فسحة لمواصلة سياسة التريث في خفض أسعار الفائدة حتى تحقيق استقرار أكبر في التضخم.

أما على صعيد الأسعار، فقد رفع الاحتياطي الفيدرالي توقعاته لمعدل التضخم الأساسي للإنفاق الاستهلاكي (PCE) إلى 3% للعام الجاري، بعد أن كانت 2.7% في تقديرات مارس، في مؤشر واضح على قلق متزايد من استمرار الضغوط التضخمية. ويتوقع أن تبقى معدلات التضخم أعلى من المستهدف البالغ 2% حتى عام 2027، ما يعكس التحديات المرتبطة بزيادة الرسوم الجمركية وارتفاع أسعار الطاقة والسلع عالميًا.

مخطط النقاط (Dot Plot) الذي يعرض آراء أعضاء اللجنة الفيدرالية بشأن مستقبل الفائدة، كشف عن انقسام واضح داخل المؤسسة؛ حيث يرى سبعة من أصل 19 عضوًا ضرورة الإبقاء على الفائدة الحالية حتى نهاية العام، بينما يدعم ثمانية أعضاء خفضها تدريجيًا إلى ما بين 3.75% و4%، في حين اتخذ أربعة أعضاء موقفًا مختلفًا، ما يعكس حالة عدم اليقين بشأن التطورات الاقتصادية المقبلة.

وفي وقتٍ تبقى فيه التوقعات الرسمية دون قرارات حاسمة، أشار محللون اقتصاديون إلى أن الفيدرالي لا يبدو في عجلة من أمره للتحرك، لكنه يحتفظ بخياراته مفتوحة تحسّبًا لأي تغير مفاجئ في مؤشرات التضخم أو التوظيف. وعلّق بريت كينويل، المحلل في eToro، بالقول إن “الفيدرالي لا يستبعد خفض الفائدة، لكنه لن يقدم على ذلك إلا إذا توافرت الظروف الملائمة”.

وبينما تسود حالة ترقب حذرة في الأوساط الاقتصادية، تبرز هذه التوقعات كمؤشر على صيف اقتصادي ساخن في الولايات المتحدة، تُعاد فيه الحسابات بشأن فعالية السياسات النقدية، وقدرتها على مواجهة تعقيدات المرحلة الراهنة، التي تتسم بتضخم مستمر، ونمو بطيء، ومخاوف متزايدة من دخول الاقتصاد في نفق الركود التضخمي.