مستوى ضعيف..!!

مستوى ضعيف..!!

:: ومن طبيعة الأشياء أن يُدشن رئيس الوزراء كامل إدريس زياراته الخارجية بزيارة مصر، ليس فقط بحكم العلاقات التاريخية والمصير المشترك و غيره من المسلمات، بل بمواقفها الداعمة لقضية شعبنا تستحق مصر بأن تكون الوجهة الأولى لأي سوداني، و ليس فقط رئيس الوزراء.. قبل الحرب، فيما كانت الدول تغرس الفتن بين القوى السياسية بالخرطوم، كانت مصر تسعى لتُجنّب بلادنا نار الفتن ( الحرب)..!!

:: ولعلكم تذكرون، فبراير 2023، قبل الحرب بشهرين، فيما كان فولكر ورباعيته ينفخون كير الحرب، و ليتجنب شعبنا مخاطر الإشتعال، دعت مصر كل القوى السياسية – ما عدا المؤتمر الوطني – إلى حوار سوداني شامل..وكنت من المدعوين للتغطية، وشاهداً على تدافع كل القوى والشخصيات الوطنية لنداء مصر، ما عدا نشطاء المرحلة ولصوص الثورة، لقد رفضوا النداء ..!!

:: كانت مبادرة جادة.. ولأن الحرب كانت قاب قوسين أو أدنى من الإندلاع، توافد الجميع لإخماد فتنة الاتفاق الإطاري، ولكن نشطاء تلك المرحلة، عُملاء أبوظبي حالياً، رفضوا المبادرة، وكانوا آنذاك حلفاء لحميدتي في سئ الذكر (الإتفاق الإطاري)، والذي تسبب في الحرب بإعتراف الهالك..مصر كانت حريصة على وقاية شعبنا وبلادنا من مخاطر خلافات الإطاري..!!

:: تلك مواقف مصر قبل الحرب، ثم تواصلت المواقف – بعد اشتعالها – لتُطفئها بمبادرة دول الجوار، ورفضتها المليشيا قبل معرفة محتواها.. ثم تواصلت مواقف مصر المنحازة لشعبنا بفتح معابرها لتكون ملاذاً للناجين من جرائم الجنجويد، ثم مواقفها في المحافل الدولية والإقليمية وهي تتمسك بوحدة السودان وشرعية مؤسساتها و غيرها من الثوابت الوطنية.. وعليه، فمن الطبيعي أن يقصدها رئيس الوزراء في أولى زياراته الخارجية..!!

:: ولكن الوفد السوداني، شكلاً ومضموناً، دون الطموح ..فالوفد المرافق لرئيس الوزراء، خالد الأعيسر وزير الثقافة والإعلام والسياحة، عمر صديق وزير الدولة بوزارة الخارجية ، بدر الدين الجعيفري ونزار عبد الله من مكتب رئيس الوزراء و..خلاص .. أي وزير واحد فقط لاغير ثم وزير دولة، هما الوفد الموصوف دبلوماسياً برفيع المستوى، بيد أنه في الواقع هزيل و دون المستوى..!!

:: ناقش الجانبان قضايا مهمة، على سبيل المثال إعادة الإعمار، أمن البحر الأحمر، مياه النيل، مشاريع ربط السكك الحديدية، مشاريع الرباط الكهربائي، التعاون في تأهيل القطاع الصحي بالسودان، التعاون في مجال التعليم العالي.. ورغم علمه المسبق بأن هذه القضايا ستكون على مائدة لقاءات البلدين، لم يُفكّر رئيس الوزراء – أو من يُفكّر له – في تشكيل وفد يليق بعظمة البلدين و قضايا الرحلة ..!!

:: تخيّلوا..أجندة لقاء البلدين حول قضايا الاقتصاد والخدمات والأمن و إعادة الإعمار، ولم يكن في الوفد المرافق لرئيس وزراء السودان أي وزير من القطاع الاقتصادي رغم كثرتهم، ولا أي وزير من القطاع الخدمي رغم كثرتهم في حكومته، ولا أي وزير أو مسؤول من ذوي الصلة بقضايا البحر الأحمر ومياه النيل وغيرها، وعددهم لا يُعد ولا يحصى ..لم يرافقوه، ليس تمرداً عليه، بل لأن سيادته لايعرف قيمة وجودهم في وفد هكذا و زيارة كهذه ..!!

:: و لعلكم شاهدتم، عندما إلتقى الرئيس السيسي بوفدي البلدين، كان يرافق رئيس الوزراء المصري كبار حكومته، يتقدمهم وزير الخارجية، و تراصوا بجواره بهيبة تعكس عظمة الدولة المصرية، فيما جلس بجوار رئيس وزراء السودان وزير دولة بالخارجية و وزير الاعلام و السياحة والثقافة، ثم أكملوا مقاعد البروتوكول بسفير السودان بالقاهرة و الموظفين بمكتب كامل إدريس ..!!

:: لم يلتق عمر صديق وزير الدولة بالخارجية والمرافق لرئيس الوزراء بوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي رسمياً، لأنه في مصر بمستوى وكيل وزارة الخارجية أو مساعد وزير الخارجية..ثم كان في الوفد خالد الأعيسر وزير الاعلام.. وبالمناسبة، مصر لاتوجد بها وزارة إعلام ولا وزير إعلام، و أعلى سلطة إعلامية هي الهيئة الوطنية للإعلام، ويرأسها أحمد المسلماني ..!!
:: ثم أن الأعيسر لم يعد يتكلم منذ تجريده من مهام الناطق الرسمي، ولم يعيّنوا بديلاً، ليس لعدم وجود ناطق في طول البلاد وعرضها، ولكن ربما كامل يريدها حكومة بكماء.. ربما خمولها لا يكفي، فيجب أن تكون بكماء أيضاً، ولذلك لم يخاطب وزير الاعلام الرأي العام عبر الاعلام العربي، وكان بمقدوره أن يُنظّم – لرئيس الوزراء – مؤتمر صحفي جامع للإعلام العرب ..!!
:: فالأمر محزن..رئيس وزراء دولة يخوض شعبها وجيشها أشرس معارك الوجود، و يزور هذا الرئيس مركز الاعلام العربي وقلبه النابض ( القاهرة)، ثم لا يخرج للإعلاميين العرب شارحاً طبيعة الحرب وتداعياتها وما بها من جرائم، ولا يلتقي من الاعلاميين غير الذين يقيمون معه في فنادق وشقق بورتسودان، فهذا مؤسف .. تخيّلوا حتى الاعلام المصري المنحاز لقضايا بلادنا، تجاوزه بروتوكول كامل إدريس ..!!

:: و..قبل أسابيع، زار رئيس وزراء صربيا جورو ماتسوت القاهرة برفقة رهط من الوزراء والخبراء، أي لم يكن وفده متواضعاً كمرافق لمريض أو كأنه برنامج سياحة لأصدقاء العُمر، مثل وفد كامل إدريس ..وعلى هامش الزيارة الرسمية، زار ماتسوت جامعة القاهرة، ثم قدم للطلاب محاضرة تاريخية سارت بها الرُكبان .. أما رئيس وزراء السودان، فعلى هامش الزيارة الرسمية، زار ( قهوة حديث المدينة)، ربما ليقف على جودة القهوة – والشيشة – التي تُقدم للسودانيين بالقاهرة، و ليس في الأمر عجب، فعلى قدر الأفكار والخيال تأتي الأعمال ..!!

الطاهر ساتي