عواصف صيفية وزلازل: كيف سيكون مستقبل البيئة في مصر؟

تشهد مصر خلال السنوات الأخيرة مظاهر من التغيرات المناخية والجيولوجية، تثير تساؤلات مختلفة حول مستقبل البلاد البيئى ومدى جاهزيتها للتعامل مع كوارث قد تصبح أكثر تكرارًا، خاصة بالتزامن مع وقوع زلازل فى بلدان البحر المتوسط وصلت توابعها لمحافظات مصر.
ولم يمر وقت طويل حتى ضربت عاصفة قوية مدينة الإسكندرية، وسرعان ما زادت التساؤلات فى أذهان المواطنين حول احتمالية غرق الإسكندرية وكيفية التصدى لهذا اليوم.
عواصف فى الصيف وهزات أرضية.. ما مستقبل مصر البيئى؟
وبينما كان البعض لا يزال ينظر إلى التغير المناخى باعتباره خطرًا لا يهدد المستقبل القريب، جاءت تصريحات رسمية وتحذيرات من وزيرة البيئة لتقول إن تبعات التغير المناخى بدأت فى التجلى على أرض الواقع.
وحذرت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، من أن تكرار الزلازل فى الآونة الأخيرة يعتبر تطورًا غير طبيعى يشير إلى دخول مصر إلى منطقة ذات نشاط زلزالى قوى، مؤكدة على ضرورة رفع حالة الاستعداد واليقظة، وخصوصًا مع التداخل بين الظواهر المناخية والجيولوجية.
وشددت فؤاد، على أنه بالرغم من أن الزلازل لا تعد من التأثيرات المباشرة للتغير المناخى، فإن ارتفاع منسوب مياه البحر بفعل الاحتباس الحرارى يمكن أن يؤدى إلى تسريع وتيرة الزلازل، وهو عامل يجب الانتباه إليه فى التخطيط البيئى والاستراتيجى.
عواصف فى الصيف وهزات أرضية.. ما مستقبل مصر البيئى؟
وتابعت: «ارتفاع درجات الحرارة سيؤدى إلى ارتفاع منسوب البحر إلى نحو ٥٠ سنتيمترًا خلال الفترة بين عامى ٢٠٥٠ و٢١٠٠، وهو ما يعد رقمًا خطيرًا يستدعى الاستعداد الجاد، حيث يمكن أن يؤدى إلى غرق كامل».
من جانب آخر، أوضح الدكتور كريم محمود حسن طنبل، أستاذ علوم البحار الفيزيائية والتغيرات المناخية، عميد البحث العلمى للشؤون البحرية بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى – الإسكندرية، أن التغير المناخى ظاهرة طبيعية تحدث على كوكب الأرض، ومن بين آثارها الواضحة ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ما يؤدى إلى ذوبان الجليد فى الأقطاب وتمدد مياه البحار والمحيطات، وبالتالى ارتفاع منسوب سطح البحر.
سرعة الرياح وفقا لبيانات محطة الرصد الجوى الأوتوماتيكى لأكاديمية أبوقير
وأضاف «طنبل»، لـ«المصرى اليوم»، أن السواحل المصرية، ومنها مدينة الإسكندرية، تعانى من ظاهرة «الهبوط الأرضى السنوي»، وهو ما يزيد من خطر تعرضها لآثار ارتفاع سطح البحر مستقبلًا، مردفًا: «بشأن احتمالية غرق الإسكندرية؛ فالكثبان الرملية تعد خط الدفاع الأول أمام البحر، وهى ترتفع عن سطح البحر بنحو مترين، ما يجعل احتمالات غرق المدينة ضئيلة فى ظل الأوضاع المناخية الحالية، لكن تآكلها سيؤدى لغرق المدينة».
وأشار «طنبل»، إلى أنه وفقًا للتقديرات الحالية؛ فإن الزيادة المتوقعة فى منسوب سطح البحر بحلول عام ٢١٠٠ قد تصل إلى ٣٤ سنتيمترًا فقط، وهى لا تكفى بمفردها لإغراق الإسكندرية؛ إذ إن غرق الإسكندرية يتطلب ارتفاع منسوب البحر نصف متر؛ لكن إذا استمرت معدلات الانبعاثات الكربونية واستخدام الوقود الأحفورى فى التزايد كما هو الحال؛ فإن الوضع قد يتغير وتتسارع التأثيرات بشكل أكبر مما يتوقعه الجميع.
سقوط الأمطار على الإسكندرية 31 مايو وفقاً لبيانات محطة الرصد الجوى الأوتوماتيكى
وقال الدكتور مصطفى مراد، خبير البيئة والطاقة بالأمم المتحدة، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»، إن ما شهدته مدينة الإسكندرية مؤخرًا ليس حدثًا جديدًا، بل يُعد امتدادًا لسلسلة من الظواهر المناخية المتطرفة التى تضرب منطقة شرق البحر المتوسط خلال السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أن ما يحدث لم يعد مجرد طقس سيئ، وإنما تغير مناخى واضح وملموس.
وأضاف أن الظواهر الحادة أصبحت نمطًا متكررًا، مستدلًا بالأمطار الغزيرة غير المسبوقة التى ضربت مكة والمدينة خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية، والفيضانات التى شهدتها دولة الإمارات منذ عامين أو ثلاثة، فضلًا عن كارثة درنة فى ليبيا التى تُعد نموذجًا صارخًا لما يمكن أن تسببه التغيرات المناخية من دمار فى المنطقة.
وأوضح مراد، أن منطقة شرق المتوسط أصبحت أكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخى، مما يستدعى الانتقال من مرحلة التركيز على التحكم إلى تعزيز سياسات التكيف، خاصة فى المناطق الساحلية.
وأوضح الدكتور مصطفى مراد إن الإسكندرية تُعد مثالًا لتحديات التغير المناخى، خصوصًا فى ظل التوسع الرأسى داخل نطاق جغرافى ضيق، مما يُفاقم المخاطر فى حال حدوث أى ظاهرة مناخية عنيفة، داعيًا إلى التفكير الجاد فى التوسع الأفقى وتخفيف الكثافة السكانية فى المناطق المعرضة للخطر.
وقال الدكتور أحمد فوزى دياب، كبير خبراء المياه بالأمم المتحدة، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»، إن الطبيعة الجغرافية والفلكية لمنطقة الإسكندرية تختلف عن قطاعات أخرى على الساحل، مشيرًا إلى أن منطقة خليج أبو قير تحديدًا تحتوى على شق عميق فى البحر، يؤدى إلى انهيارات أرضية عند اصطدام الأمواج به، وهو ما يفسر غرق أجزاء من المدينة فى أوقات سابقة، إلى جانب تأثير الزلازل القديمة.
وأوضح دياب، أن ما يُثار حول غرق الإسكندرية بسبب ارتفاع منسوب البحر هو أمر محل جدل علمى منذ عقود، مؤكدًا أن هذا السيناريو مستبعد، لأنه فى حال غرق الإسكندرية فإن العديد من الجزر الأخرى فى البحر المتوسط والمحيط الأطلسى ستغرق أيضًا، وهو أمر يتعارض مع طبيعة الدورة الهيدرولوجية.
وأشار إلى أن ما حدث مؤخرًا فى الإسكندرية هو نتيجة تداخل بين عنصرين: الأول هو «عدم الاتزان المناخي»، والثانى هو «التدخل البشري»، وهو ما ساهم فى تفاقم الظواهر الجوية القاسية التى شهدتها المدينة.
وأضاف أن المؤشرات العلمية تؤكد وجود ظواهر غير طبيعية، مثل أمطار شديدة ورياح عنيفة تحدث فى توقيت واحد، وهو ما يدعو إلى التشكيك فى كونها طبيعية بالكامل، مرجحًا وجود تدخلات بشرية ذات أغراض مختلفة.
واختتم دياب تصريحه بالتأكيد على ضرورة أن تستند تصريحات المسؤولين الحكوميين إلى رأى المختصين فى علوم المياه والبحار والأرصاد الجوية، للوصول إلى تقييم علمى دقيق.
وقال الدكتور محمد سليمان، الأستاذ فى مركز بحوث المياه، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم» إن هناك أعمالًا مستمرة لترسيم بعض البواغيز وتكريك المناطق القريبة من مصبات النيل، مشيرًا إلى أن مأخذ رشيد يشهد حاليًا عمليات تكريك لتسهيل حركة دخول وخروج المراكب بسبب تراكم الإطماءات، بالتوازى مع وجود عمليات نحر شرق رشيد.
وأوضح أن هذه الأعمال لا علاقة لها بمسألة غرق المدن، لكنها تندرج تحت جهود حماية المناطق المنخفضة فى دلتا النيل، مثل البرلس والمنصورة ودمياط حتى بورسعيد، حيث تمت حمايتها بنحو ٧٠ كيلومترًا من الحواجز البيئية خلال العامين الماضيين، وقد نجحت تلك الإجراءات فى منع غرق تلك المناطق.
وأشار إلى أن مدينة الإسكندرية بطبيعتها الجغرافية تقع على مستوى مرتفع، بارتفاع يصل إلى نصف متر عن سطح البحر، ما يجعلها أقل عرضة لخطر الغرق المباشر، رغم تعرضها فى بعض الأحيان لعواصف شديدة مثل النوة الأخيرة التى تسببت فى سقوط لوحات، لكنها لم تسفر عن غرق فعلى.
وأضاف الدكتور محمد سليمان أن الاستعدادات يجب أن تركز على التعامل مع «العواصف غير المتوقعة»، مؤكدًا أن تكرار هذه الظواهر يمثل أحد مؤشرات التغير المناخى، وهو ما يتطلب جاهزية علمية وتكنولوجية.
وكشف الدكتور محمد عن أن هناك حاليًا نظام رصد وطنى ساحلى قيد التنفيذ، يشمل قياسات دقيقة للأمواج، وانتكاسات الشواطئ، ومتابعة بالأقمار الصناعية والطائرات البحرية، بهدف إصدار توصيات واضحة لحماية المناطق الحساسة وتحديد أولويات التدخل فى حالة الطوارئ أو التهديدات المناخية.
قال الدكتور ماهر عزيزى، استشارى الطاقة والمناخ، فى تصريحات خاصة للمصرى اليوم إن التغيرات المناخية الناتجة عن دفء جو الأرض بسبب زيادة تركيزات غازات الدفيئة فى الغلاف الجوى، تؤدى إلى ارتفاع درجة حرارة مياه البحار والمحيطات.
وأضاف أن الرصدات المناخية، إلى جانب قياسات ارتفاع مستوى سطح البحر، تشير إلى حدوث زيادة سنوية طفيفة ولكنها ثابتة فى مستوى سطح البحار والمحيطات، موضحًا أن هذه الزيادة تعود إلى عاملين رئيسيين: الأول هو ذوبان الثلوج فى القطبين، والثانى هو تمدد مياه البحار بفعل زيادة درجة حرارتها.
وأشار عزيزى إلى أن دلتاوات الأنهار والدول الجزرية الصغيرة تُعد من أكثر المناطق المهددة بالغرق خلال الخمسين إلى السبعين عامًا القادمة.
وأوضح أن التقديرات العلمية للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تشير إلى أن دلتا نهر النيل مهددة بالغرق حتى مدينة طنطا فى منتصف الدلتا تقريبًا، كما أن مدينة الإسكندرية تواجه تهديدات جدية بالغرق، وذلك فى حال استمرار ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض ليصل إلى ما بين ٢.٥ إلى ٤.٥ درجة مئوية، فى حين أن هذا الارتفاع بلغ حتى الآن ١.٢ درجة مئوية.
وأكد أن هذه التهديدات ستظل قائمة ما لم ينجح العالم فى السيطرة على انبعاثات غازات الدفيئة، مشيرًا إلى أن الجهود العالمية تتجه نحو تقليص هذه الانبعاثات بنسبة ٥٠٪ من مستويات عام ٢٠١٠ بحلول عام ٢٠٥٠، وهو ما تسعى لتحقيقه الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ.
وختم عزيزى تصريحاته بالتأكيد على أن المخاوف من غرق الدلتاوات والجزر والمدن الساحلية – وفى مقدمتها الإسكندرية – ستزول تمامًا إذا نجح العالم فى تحقيق أهداف تقليص الانبعاثات بحلول عام ٢٠٥٠، مما يعنى أن احتمالات غرق مدينة الإسكندرية بحلول عام ٢١٠٠ ستكون منعدمة فى حال الالتزام بالمسار المناخى الآمن.
وقال الدكتور هشام عيد، أستاذ الزلازل بالمعهد القومى للفلك، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم» إن مصر قد تشعر بالزلازل التى تقع فى المناطق المحيطة بها، موضحًا أن ذلك أمر طبيعى ولا يعنى أن مصر دخلت منطقة زلازل. وأوضح أن الشعور بالزلازل مؤخرًا أصبح أكثر وضوحًا نتيجة تطور وسائل التواصل الاجتماعى، حيث أصبح الناس يتبادلون المعلومات فور الشعور بأى هزة، مما يرفع من درجة الانتباه العام تجاه الظاهرة.
كما أشار إلى أنه لا يوجد حتى الآن دليل علمى يؤكد أن مصر ستتحول إلى منطقة زلازل، مؤكدًا أن ما يحدث هو مجرد ارتدادات طبيعية للزلازل المحيطة، ويمكن الشعور بها فى بعض الأحيان دون أن يكون لها تأثير مباشر على الأراضى المصرية.