«والدتي وإخواتي لم يفترقوا أبداً.. حتى في الموت ظلوا معاً».. «عبدالرحمن» يحكي عن مأساة فقدان 4 من أسرته في حادث المقطم.

«والدتي وإخواتي لم يفترقوا أبداً.. حتى في الموت ظلوا معاً».. «عبدالرحمن» يحكي عن مأساة فقدان 4 من أسرته في حادث المقطم.

مرّ عيد الأضحى المبارك هذا العام على «عبدالرحمن» مختلفًا تمامًا عن كل الأعوام السابقة.. كان من المفترض أن تمتلئ أيام العيد بالفرح والاحتفالات، خاصة مع قرب زفاف شقيقته «زينب»، التي كانت تُعد لليوم الكبير بفرح وحماس.. لكن بدلًا من ذلك، وجد نفسه وحيدًا في شقته الصغيرة، محاطًا بصور أحبائه الذين رحلوا في حادث مأساوى على كورنيش المقطم بالقاهرة، إذ فقد والدته وشقيقتيه وزوج إحداهما، إثر تصادم عنيف تسبب فيه رجل أعمال كان يقود سيارته تحت تأثير مُسكر، وسار عكس الاتجاه، ليتحول العيد إلى ذكرى مؤلمة لا تنسى. «الفرحة راحت، والضحكة اتبدلت بدموع.. مفيش عيد من غيرهم»، قالها بصوت مكسور، وكأن الكلمات تكاد تخفف عن قلبه ثقل الفقد.

مساء الجمعة الماضى، كانت الحياة تمضى بشكل طبيعى، حيث يدير «عبدالرحمن» محلًا صغيرًا للمأكولات مع شقيقه وصديقين له، على ناصية شارع 17 في المقطم.. لم يكن يتخيل أن هذا اليوم سيتحوّل إلى لحظة فارقة تُقسم عمره إلى ما قبل وما بعد.. في ساعات قليلة، خسر الشاب العشرينى والدته، وشقيقتيه، وزوج شقيقته، في حادث تصادم تسبب فيه سائق «متهور».

يروى «عبالرحمن» لـ«المصري اليوم» اللحظات الأولى التي رأى فيها السائق المتسبب في الحادث. «كنت واقف قدام المحل، وشوفت عربية رياضية معدية بسرعة جنونية، بيلف وبيدرفِت وبيعمل استعراض كأنه في حلبة سباق، مش شارع سكنى، قلت لصاحبى: اللى سايق العربية دى مش هيعدى اليوم على خير، شكله هيعمل مصيبة».

لم تمر نصف ساعة حتى تلقى الشاب مكالمة من صديق له يطلب منه أن يأتى إلى أحد المقاهى القريبة، دون أن يوضح السبب. «روحت وأنا قلبى مقبوض.. أول ما وصلت لقيت والدتى ملقاة على الأرض، أختى فاطمة بين الحديد، وجوز أختى ميت.. لحظة مش عارف أوصفها.. الدنيا اتكسرت جوايا».

كانت الأم، نحمدة، لا تزال على قيد الحياة عند وصول «عبدالرحمن»، لكن إصاباتها كانت بالغة.. «شِلتها على إيدى، وهى بتقول لى: متينبيش.. الكلمة دى محفورة في قلبى، دى آخر حاجة قالتها قبل ما روحها تطلع بين إيديا».

القصة الكاملة لحادث سيارة المقطم الذي حوّل زفاف عروس إلى جنازة

لم تكن هذه نهاية الفاجعة، زوج شقيقته، إسلام عبده، توفى على الفور في موقع الحادث، وشقيقته الكبرى، زينب، التي كان من المفترض أن تحتفل بزفافها في خامس أيام عيد الأضحى بعد عقد قرانها منذ أيام، إذ توفيت بعد يومين في المستشفى، ثم لحقت بها شقيقتهم الثالثة، فاطمة، التي توفيت يوم الأربعاء الماضى، قبل وقفة عرفات بيوم.

كانت الأسرة تستعد لزفاف «زينب».. «كانت بعتالى صور فستان الفرح، وقلت لها: حلو جدًا.. هتبقى قمر. كانوا راجعين من محل فساتين، بيرتبوا للفرح.. محدش كان يتخيل إنها هتموت قبل يوم الفرح بأيام».. لم يعد هناك فرح، ولا تجهيزات، بل جنازات متتالية، يقول «عبدالرحمن».

بحسب تحقيقات النيابة العامة، فإن المتهم، ويدعى «أمين»، ويبلغ من العمر 45 عامًا، كان يقود سيارة من نوع «دودج» بسرعة مفرطة، عكس الاتجاه، وتحت تأثير الكحول، ورصدت كاميرات المراقبة لحظة الاصطدام العنيف، حيث ارتطمت سيارته بسيارة الضحايا، التي كان يقودها زوج «زينب»، إسلام.

«فى الفيديو، شوفنا عربيتنا وهى بتطير في الهواء، حرفيًا، التصادم كان مروّع، مش حادث عادى، دى جريمة، قتل كامل الأركان، بس بدل السلاح، استخدم عربية»، يقول «عبدالرحمن» بينما يتأمل الصور القديمة التي جمعت أسرته: «أمى وإخواتى الاتنين وجوز أختى دول ماكانوش بيسيبوا بعض.. سبحان الله، حتى في الموت ما انفصلوش.. أمى خدتهم معاها».

«عبدالرحمن» يطالع آخر صورة تجمع أفراد أسرته قبل رحيلهم إثر حادث المقطم- تصوير: محمد القماش

توقف لحظة، ثم أضاف بصوت مختنق: «أنا كنت بعيش عشانهم، أمى كانت أمى وأبويا، بعد طلاقها من والدى 10 سنين، وزينب كانت أمى التانية، وفاطمة كانت زى بنتى الصغيرة.. كان ليّ ضهر، وأمان.. وكل ده راح».

في أول عيد أضحى يمر بعد الحادث، جلس «عبدالرحمن» في شقته وحيدًا. «كان المفروض نبقى مجتمعين على الفطار في وقفة عرفات، كنا صايمين، وأهلى كانوا بيجهزوا للعيد والفرح، دلوقتى، الشقة مليانة صورهم وذكرياتهم، بس فاضية من روحهم».

لم يتبق من أسرته سوى شقيقه «مؤمن»: «أنا وهو لوحدنا دلوقتى، وبصراحة، مش عارف أعيش إزاى بعد كده، اللى حصلى مش طبيعى.. مش هينفع يعدى كده».

تقول التحقيقات إن المتهم كان له سوابق في منطقة المقطم، ومعروف بسلوكه المتهور، رغم سنه. «الراجل عنده 45 سنة، وسايق كأنه مراهق في سباق، موت أمى وأختى وجوز أختى، ولسه في ناس بتقول حوادث بتحصل.. لأ، دى مش حادثة، دى جريمة قتل على الطريق».

«إسلام» و«زينب» بعد عقد قرانهما

النيابة تأمر بتقرير فني من المرور حول حادث سيارة المقطم

«عبدالرحمن» يطالب بأن تنال العدالة مجراها: «أنا مش طالب حاجة غير إن اللى عمل كده يتحاسب، مش بس عشان أرتاح، لكن عشان مفيش حد تانى يخسر أهله بالطريقة دى، كفاية دم على الإسفلت، وكفاية سكوت عن اللى بيلعبوا بأرواح الناس».

«كل ليلة ببص في صورهم، أمى وهى بتضحك، زينب لابسة فستان الفرح، فاطمة وهى قاعدة جنبنا في المحل.. والكل راح. مش مصدق، بس الصورة بتوجع أكتر من الحقيقة».

يختم «عبدالرحمن» بصوت منخفض: «أنا اتكسرت، بس لازم أكمل.. مش عشان نفسى، بس عشان أمى لو كانت عايشة، كانت هتقولى كمل. يمكن صوتها اللى قال لى: متينبيش، هو اللى مخلينى واقف لحد دلوقتي».

آثار إطارات السيارة المتسببة في الحادث على الأسفلت- تصوير: محمد القماش
صورة ضوئية من التقرير الطبي بشأن الحالة الصحية لـ«زينب»- تصوير: محمد القماش
كسور في فقرات ظهر «فاطمة» توضحها أشعة طبية- تصوير: محمد القماش
تقرير طبي بشأن الإصابات التي لحقت بـ«فاطمة» قبل وفاتها- تصوير: محمد القماش

النيابة العامة، قررت سحب عينة من دم المتهم وتحليلها من قبل الطب الشرعى إذ تبين أنه كان يقود سيارته تحت تأثير الكحول، ووجهت له ارتكب جريمة القتل الخطأ لـ 4 أشخاص، وكلفت خبراء المرور ومفتش الصحية بتقديم تقارير مفصلة عن الحادث والإصابات، تمهيدًا لإحالته للمحاكمة الجنائية.

جانب من حادث المقطم
السيارة المتسببة في الحادث
«فاطمة» آخر ضحايا الحادث