ترجمات| «أستورياس» يكشف هيمنة الشركات الأمريكية الاستعمارية في عمله المميز «البابا الأخضر»

فضح سيطرة الشركات الأمريكية الاستعمارية على المقدرات الاقتصادية لدول أمريكا اللاتينية، ومن أبرزها على وجه التحديد شركات الموز فى جواتيمالا. جسد ذلك ببراعة أدبية فائقة الشاعر والروائى والكاتب المسرحى والصحفى الجواتيمالى «ميجيل أنخيل أستورياس» فى روايته «البابا الأخضر» من خلال قصة البحار الأمريكى الذى يسعى إلى الاستحواذ على أراضى الناس بالكذب والخداع، مطلقاً الوعود بالتطوير وبناء سبل الرفاهية والحضارة المدنية.
غلاف الكتاب
«أستورياس» الحائز على جائزة نوبل فى الأدب سنة ١٩٦٧ لإنجازه الأدبى المتجذر فى السمات والتقاليد الوطنية للشعوب الهندية فى أمريكا اللاتينية، ليصبح ثانى كاتب من أمريكا اللاتينية ينال هذا التكريم، بعد جابرييلا ميسترال ١٩٤٥ يعتبر من أعظم الكتّاب فى أمريكا اللاتينية أواسط القرن الماضى فى الأدب الإسبانى الأمريكى المعاصر، وساهمت أعماله فى تسليط الضوء على أهمية الثقافات الأصلية، وخاصةً ثقافات موطنه جواتيمالا، فهو من أوائل الروائيين فى أمريكا اللاتينية الذى تناولوا موضوع الاستبداد وتبعه فى ذلك كثير من الروائيين. أدت الشهرة التى عرف بها أستورياس فى معارضته للحكم الديكتاتورى إلى قضاء معظم حياته فى المنفى سواء كان ذلك فى أمريكا الجنوبية أو فى أوروبا. وبعد عقود من النفى والتهميش حصل أستورياس على شهرة واسعة النطاق فى عقد الستينيات من القرن العشرين.
مات استورياس فى مدريد فى ٩ يونيو ١٩٧٤ ودفن فى باريس، وبعد وفاته اعترفت بلاده بمساهمته فى الأدب الجواتيمالى من خلال منح أدبية، وإنشاء جوائز باسمه، تعد من أعرق جائزة أدبية فى البلاد، كما سُمى المسرح الوطنى، والمركز الثقافى باسمه. فى ٩ يونيو ٢٠٢٤، أعلن الرئيس برناردو أريفالو موافقة عائلة ميجيل أنخيل أستورياس على إعادة رفاته إلى الأراضى الجواتيمالية. وفى اليوم نفسه، أُطلقت «عام ميجيل أنخيل أستورياس» إحياءً للذكرى ١٢٥ لميلاده والذكرى ٥٠ لوفاته.
ولد إيجيل أنخيل أستورياس ١٨٩٩ فى جواتيمالا، وقضى طفولته ومراهقته فى وطنه. ثم حصل على شهادة فى القانون من جامعة سان كارلوس. نُشرت أطروحته عن «المشكلة الاجتماعية للهنود» عام ١٩٢٣. وسافر إلى باريس فى الثلاثينيات حيث درس فى السوربون ديانات الهنود الحمر قبل فتح كولومبس للقارة، وهناك ألف كتابه الأول «أساطير من جواتيمالا» وقدم له بول فاليرى، تعرض فيه لبلاده قبل الغزو وبعده. ١٩٣٣ عاد استورياس إلى جواتيمالا ومعه مخطوطة «سيدى الرئيس» التى لم تنشر بسبب الأوضاع السياسية التى تحول دون التعرض لديكتاتورية استرداد كابريرا، التى كان قد مر عليها أكثر من نصف قرن.
شغل أستورياس منصب ملحق ثقافى بسفارة جواتيمالا فى المكسيك حيث صدرت الطبعة الأولى من «السيد الرئيس» ١٩٤٦، وفى أواخر ١٩٤٧، سافر أستورياس إلى الأرجنتين ملحقًا ثقافيًا فى السفارة الجواتيمالية، وبعد عامين، حصل على منصب وزارى. أثناء وجوده فى بوينس آيرس، وفى الأرجنتين ١٩٤٧ تزوج زوجته الثانية بلانكا مورا أى أروجو، ثم تقلب بين مناصب دبلوماسية أخرى حتى سقوط حكومة أربنز الديمقراطية فالتجأ إلى الأرجنتين عام ١٩٥٧، وطيلة أعوام المنفى، أقام فى الصين ورومانيا وإيطاليا وفرنسا التى عاد إليها عام ١٩٦٦ سفيرا لحكومة مونتينجرو، وفى السنة نفسها حصل على جائزة لينين للسلام، أعقبتها عام ١٩٨٧ جائزة نوبل للآداب، كما عمل «أستورياس» مراسلًا لعدة صحف مهمة فى أمريكا اللاتينية، وسافر إلى جميع دول أوروبا الغربية، والشرق الأوسط، واليونان، ومصر. من أهم أعماله الشعرية: رسائل هندية وسهرات ربيع نيرة، وفى الرواية فضلا عن أساطير من جواتيمالا وسيدى الرئيس، كتب العاصفة، وعيون المدفونين، وخلاسية ما، ورجال الذرة، واللص الذى لا يؤمن بالسماء.. وغيرها.
أما رواية «البابا الأخضر» نشرت ١٩٥٤ وهى الرواية الثانية من «ثلاثية الموز» ركز أستورياس على «ثلاثية الموز» فى استكشاف العمال فى موارد ساحل المحيط الأطلسى. إذا كانت الأعمال السابقة «أستورياس» تشير إلى الحقائق الاجتماعية السياسية الظالمة، المستمدة من المستبدين الحكوميين لسكان جواتيمالا، أما فى روايته البابا الأخضر، فإن الإدانة واضحة ونهائية.
«البابا الأخضر» رواية تتمحور حول شاب أمريكى أشقر يجوب البحار متاجرا بالأسلحة والنساء، ثم يتردد بين مهنة القرصنة وطموحه، أن يصير زارع موز ينشر الاخضرار أينما حل فى جمهورية صغيرة وسط أمريكا اللاتينية كان قد بلغ شاطئها ذات يوم. من خلال شخصية جيو ماكر ثيمبسون، الملقب بالبابا الأخضر، وهو رجل قوى الإرادة، مصمم على إنشاء إمبراطورية الموز فى أمريكا الوسطى، يتم تقديم لمحة عن الواقع الأمريكى: الاختراق الإمبريالى فى المنطقة، مع نظيره، وجود مزارعى الموز، ضحايا الإخلاء من أراضيهم، الذين، على الرغم من وضعهم، يقاومون استغلال رأس المال الأجنبى.
ويتابع جيو ماكر ثيمبسون مسيرة التدمير والنهب والقتل، إلا أن كبرياءه يصاب فى الصميم عندما يمتلك كل شىء، لكنه يعجز عن الحب، حب مايارى الخلاسية التى فضلت أن تتزوج النهر فى طقوس سحرية غريبة يرسم بها استورياس لوحات حب رائعة. حب يهزمه الواقع فيتعلق بالمستحيل، بينما تشتد وتيرة الأحداث ويواصل قرصان البحر رحلة القرصنة برا تحت اسم تبشيرى «البابا الأخضر» ملك الموز.
تكمن أهمية هذه الرواية كما يوضح مترجم الرواية محمد على يوسف، فى غنى الفصول وحركة الشخصيات الواقعية وخصوصا فى معاينة الحياة بكل مظاهرها من الصراعات العائلية الصغيرة إلى الصراعات الكونية. صراع بين العقلانية الانكلوسكسونية والروح الأسطورية الهندية، لم يسبق التعرض إليه بمثل هذه القوة وهذا العمق.