«لبيك اللهم لبيك» و«المحمل الشريف»: أهم شعائر احتفالات الحج لدى المصريين

«لبيك اللهم لبيك» و«المحمل الشريف»: أهم شعائر احتفالات الحج لدى المصريين

تهل على مصر والأمة الإسلامية أيام مباركة مع اقتراب عيد الأضحى المبارك والذى تقترن به فريضة الحج إلى بيت الله الحرام. وفى مصر تحديدا يزخر التراث الشعبى بالكثير من العادات والموروثات ذات الصلة بالحج والعيد وذبح الأضحية، بل إن هذه الموروثات تختلف داخل مصر من محافظة إلى أخرى.. وبنظرة تأملية فاحصة سوف يتبين لنا تاريخيا حرص المؤرخين والكتاب والمستشرقين عبر الأزمنة المختلفة على تسجيل مظاهر هذه الاحتفالات الدينية.

ومما سجله المؤرخون والمستشرقون ما يرتبط بالمحمل وموكب الحج من طقوس وعادات وتقاليد شعبية انصهرت مع بعضها البعض لتشكل نموذجا رائعاً للاحتفالات الشعبية، التى لا تزال راسخة فى وجدان المصريين وخاصة الطبقات الشعبية، وتُحدثنا المصادر التاريخية، وخاصة ما سجله الرحالة الأوروبيون الذين أطربهم جو الحياة فى القاهرة، واجتذبهم عبق وسحر الحيـاة الشرقية، وصخب الاحتفالات الشعبية للمصريين، فى كتاباتهم ورسومهم، والتى من خلالها عرفنا أن المصريين من أكثر شعوب العالم الإسلامى احتفالا بالحج، فقد كان مرتبطاً فى الماضى البعيد بسفر المحمل إلى الأراضى الحجازية حاملا الكسوة للكعبة المشرفة.

كما ذكر فى «المحمل الشريف ورحلته إلى الحرمين الشريفين» أنه شاع على الألسنة أن المحمل المصرى يرجع تاريخ إرساله للحجاز إلى عهد شجر الدر سنة ٦٤٨هـ، ولكن تاريخيا يقال إنه سابق على هذا التاريخ، فقد كان الهودج مرتبطا بقوافل الحج وكانت تحمل معها هدايا للكعبة والحجر الشريفة، ثم تتابع إرسال تلك الهدايا حتى حتى توقف المحمل تماما عام ١٩٥٢.

كما نرى أن الحج بوصفه أحد العبادات الأكثر أهمية فى حياة المسلمين قد احتل مساحة كبيرة فى التصوير الاستشراقى الذى نقل إلى الغرب. كما أن هناك عددا من اللوحات العالمية التى تصور بالفعل الحج ذهابا وإيابا لبلاد الحجاز. وقد كان الحج حسبما يظهر فى تلك اللوحات، وكما نقلت كتب التاريخ أيضا، ينطوى على قدر من المشقة التى فى جوهرها جزء من المتعة الروحية للحج.

وارتبطت بعض العادات الطريفة بخروج وعودة المحمل المصرى، وهى عادات على الرغم من بساطتها تكشف لنا مدى تغلغل ظاهرة المحمل فى كيان ووجدان المصريين. كما توضح أيضا تبجيلهم واحترامهم للمحمل، إلا أنها عادات اندثرت لأنها كانت ذات ارتباط بالمحمل ذاته مثل ارتماء البعض تحت أخفاف جمل المحمل، وتبخير لوازم المحمل وتقبيل الحاكم لمقود الجمل وغيرها.

ومن العادات التى ارتبطت بالحجاج أنفسهم والتى لا تزال موجودة حتى الآن منها «الشقيقة والمشقاق» الشقيقة هى اللحم المقدد، أما المشقاق فهو الخيط الذى يعلق فيه اللحم وقد جرت العادة عند أهل الصعيد وخصوصاً سوهاج هو الاحتفاظ بجزء من الأضحية لحين عودته لكى يأكل منها، ومن تلك العادات أيضا تعليق الرايات البيضاء اللون على العربات والاتوبيسات التى تقل الحجاج. وكذلك حرص الحجاج على ارتداء الملابس بيضاء أثناء توديعهم قبل السفر وعودتهم بعده.

كما ارتبطت عدة فنون شعبية بالحج مثل الرسم على وجهات منازل الحجاج، وتمثل رسوم جداريات الحج أحد أشكال هذا الفن الفلكلورى الذى لا نعرف تحديدا بداياته فى مصر، إنما تسجيل اللحظات الهامة فى حياة الفرد، هو تقليد قديم كما يؤكد المؤرخون أنه يرجع للعصور الفرغونية، حينما كان المصرى يحرص على تصوير رحلات حجه لأبيدوس، أو حينما كان الفرعون يصور وهو يقدم القرابين للمعبودات أو تصور انتصاراته على أعدائه.

تمثل جداريات الحج نوعاً من المظاهر الاحتفالية التى تعكس الفرحة بعودة الحاج سالما من تلك الرحلة المقدسة، فهى تمتاز بألوانها الزاهية الصريحة، وللنقش على الجدران، وتتجدد موسميًا مع ما يُعرف بـ«رسومات الحج» مثل الكعبة والحرم المكى ومسجد الرسول بالمدينة، أو مع حمامتين وغار ثور، ورسم توضح وسبة السفر مثل: الجمل «قديما» أو السفينة أو الطائرة أو الأتوبيس.. والكتابة تتضمن آيات قرآنية تذكر الحج صراحة مثل «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا»، أو بعض الأدعية الدينية مثل «لبيك اللهم لبيك»، أو عبارات توضح قيام صاحب البيت بالحج لمكة مثل «حجٌ مبرور وذنبٌ مغفور ونجاة من النار»، وكما تجرى عملية رسم جداريات الحج وسط أجواء من البهجة والفرح والأغانى الشعبية التى ينشدها الأهالى «هنيالك يا حاج، مكتوبالك يا حاج، أمانة عند النبى تبلغ سلامى يا حاج».

الاحتفالات بالحج هى تشبه إلى حد كبير الاحتفال بالأفراح، حيث تقام الاحتفالات الدينية مدائح وأغانى حج وكذلك الرقص على المزمار والتحطيب وخلال ذلك تقدم المشروبات وبعض الولائم من القادرين، والهدايا والنقوط من المدعوين، والتى ترد إليهم بصورة هدايا بعد العودة من الحج، ويستمر الاحتفال أسبوعا، ولا تقام الأفراح إلا بعد دفع ما يسمى الأمنية، وهى الرسوم التى يدفعها الحاج نظير قيامه بأداء فريضة الحج.

كما ترتبط الأغانى أوثق الارتباط بالمناسبات الدينية التى يحتفل بها المجتمع الشعبى فى مصر، وهى مزيج من الانفعالات والأحاسيس والمشاعر التى يعبر بها المجتمع عن ذاته، فتعمل على بث الإيمان فى النفوس. وأغانى الحج تنقسم إلى نوعين: نوع يؤدى قبل سفر الحجاج، فى أثناء توديعهم، ونوع آخر يؤدى عند استقبال الحجاج وبعد عودتهم، ومن المعروف أن أغانى الحج التقليدية لها طابع مميز فى ألحانها وأدائها مما يميزها عن المدائح والتواشيح والاذكار، إلا أن بعض المغنين يؤدون أغانى الحج على نمط المدائح النبوية التى تعبر عن فرحة الذهاب للحج ومشاهدة أنوار الرسول (ص).

ومن أغانى الحج القديمة وتعرف بالتحنين وتؤديها السيدات فقط، «يارب والنبى توعدنا- نحج بيت الله ونزور» ومن أغانى عودة الحجاج «حجاجنا ياما وياما يروحوا وييجوا بالسلامة ويدعو لهم»، و«يا راجع من مكة هنيالك ياما حب النبى شغل بالك.. زرت الحرمين يا جمالهم متعت عيونك بنظرهم». كما تعكس الأمثال الشعبية مدى أهمية الرحلة المقدسة فى نفوس المصريين على الرغم من صعوبتها الشديدة فى العصور القديمة فى العصور السابقة، فقد أوضح المصريون تلك الصعوبات التى يواجهونها فى رحلة الحج من خلال الأمثال مثل «ياما قدامكم يا حجاج» و«أول شيلة فى الحج تقيلة».

وعن بعض العادات التى تلازم ذبح الأضحية، من العادات التى لازمها الاستمرار عادة تلطيخ جدران المنزل أو واجهته بدماء الأضحية اعتقادا بأن الدماء لها القدرة على منع الحسد، وإذا كانت هذه العادة مازالت مستمرة فى الريف وبعض المناطق الشعبية الحضرية.

ومن أبرز العادات المتبعة فى مصر يوم العيد هو الذبح فى الشوارع على مرأى الجميع. يُخرج كل بيت أضحيته ليذبحها أمام بيته وتسيل الدماء ويضعون أياديهم فى دماء الأضحية بعد ذبحها، والختم بها على الحوائط والأبواب.